كانت جهان وخيزران تتكلمان وهما تمشيان على مهل، حتى أشرفتا على الغرفة فتراجعت جهان وقالت: «والآن لا بد من مقابلة بابك؟ ماذا أقول له؟ لعل عنده خبرا جديدا.»
وسمعت صوت بابك ينادي من داخل الغرفة: «جهان. جهان.» فأسرعت وركبتاها تصطكان ولكنها تتجلد، حتى أقبلت على باب الغرفة فأطلت على بابك، وكان جالسا فوقف لها واستقبلها وهو يبش ويبتسم، فلما رأت ابتسامه اطمأن قلبها ولا سيما عندما وقف لها ورحب بها. وابتدرها قائلا: «إني أقف لعروس فرغانة وإن كانت هي تحتقر بابك ولا تقف له.»
قالت: «إن جهان لم تحتقر بابك وإنما احتقرت خصالا فيه ذكرتها.»
قال وهو يجلس ويدعوها إلى الجلوس: «وإذا نزع تلك الخصال منه هل تحبينه؟»
ولاح لها من خلال كلامه أنه جاد فيما يقول، فأظهرت ارتيابها قائلة: «أراك تسخر من فتاة أغضبتك فأحببت التشفي منها، ولكنني أخلصت لك النصيحة وعرضت نفسي للخطر.»
وقال والاهتمام باد في محياه: «لا يا جهان، إني لا أسخر منك، ولكنني أعملت الفكرة فيما قلته لي فقضيت مدة غيابي وأنا أفكر في أقوالك وحقيقتها تتجلى لي رويدا رويدا. وكلما انجلت شعرت بالخجل من نفسي وندمت على ما فرط مني. كنت منغمسا في الملذات والإكثار من النساء؛ لأني لم أجد واحدة تملأ عيني وتملك قلبي. ولا أدري ما الذي غيرته أنت من وجداني ... أراني قد حدث لي انقلاب لم أعهد مثله من قبل، كأنك روح مرسلة إلي من عند أورمزد. وإنما أربي الآن أن تقولي لي إنك تحبينني ...» قال ذلك والعرق يتلألأ على جبينه.
فاستغربت انقلابه ولم تخف مداجاته أو خداعه لأنها قرأت الإخلاص في عينيه وأكبرت أن ترى ذلك الرجل الفظ يتقرب إليها بمثل هذا الكلام.
قالت: «هل تعني حقا ما تقول؟»
قال: «نعم. وأنت تفهمين أني لا أداجي. وقد عملت بنصيحتك بعد أن نزلت منزلة الدم من قلبي والسواد من عيني، فهجرت الخمر وسأترك النساء من أجلك. صدقت يا جهان، إن العيشة الهنيئة في الحب المتبادل. وها أنا ذا أحبك فهل تحبينني؟ لا عذر لك في الرفض الآن.»
فأطرقت، وفكرت فيما سمعته من أمر فقد ضرغام ويأسها من وجوده. ورأت هذا الجبار يخطب ودها ويعاهدها على الانقطاع لخدمتها وهجر الخمر والنساء لأجلها، فحدثتها نفسها بأن تجيبه بالإيجاب، فاعترضها خيال حبيبها فتصورت أنه كان ضالا فوجد فكيف تقابله وبأي عين تنظر إليه. فظلت حينا تتردد وبابك صابر ينظر إليها ويراقب حركة عينيها، فلما استبطأ جوابها قال: «أظنك تفكرين في الأفشين.»
Неизвестная страница