أما الرد على برقية يعقوب الثانية فقد وصل بعدها بأسبوع، بمجيء روكساندرا؛ الأخت الكبرى لزوجته ليئة. كانت الساعة السادسة مساء عندما توقفت عربتها في المرفأ. وكانت روكساندرا، تلك المرأة النحيلة التي ترتدي ملابس السفر وقبعة من اللباد الأخضر الداكن، ذات أنف حاد وذقن صغير وشامة في منتصف وجنتها اليسرى بدت كما لو كانت قمة بركان وشيك الاندلاع. ترجلت روكساندرا من العربة وفي يسراها حقيبة سفر، وفي يمناها برقية مجعدة مبللة بالعرق، ثم حاسبت السائق وبدأت تشق طريقها أعلى التل نحو منزل زوج أختها.
وبينما كانت روكساندرا ترتقي الدرج الأمامي من منزل كوهين، عدلت قبعتها ثم حدقت إلى الوراء في لمعة روث الطيور الذي يغطي الممشى الأمامي، وحملقت في سرب الهداهد البنفسجية والبيضاء الجاثم على شجرة الدلب فوقها، ثم التفتت نحو الباب وقرعته. ولما لم يجب أحد، قرعت مرة أخرى وهي تميل برأسها للأمام كي تنصت إلى صوت أي حركة بالداخل، ومرة أخرى لم يكن من مجيب هناك. ولأنها لم تكن ممن ينتظرون بالخارج في الطقس البارد، فقد عدلت قبعتها وسمحت لنفسها بالدخول.
كان منزل كوهين بأكمله لا يزيد على حجرة الطعام الموجودة في المنزل الذي قضت فيه روكساندرا وليئة طفولتهما في بوخارست. وكان يتألف من ثلاث غرف نوم، وحجرة للمؤن، ومطبخ، وغرفة معيشة جدرانها عارية ما خلا لوحة فحمية صغيرة لليئة فوق المدفأة. وفي أحد أركان الغرفة الرئيسة خزانة ومائدة طعام مصنوعة من خشب البتولا المحبب تغطيها كومة من الأطباق المتسخة، وفي الركن الآخر زوج من المقاعد الجلدية البالية قبالة المدفأة. وكانت أرضية غرفة المعيشة غارقة في بحر من السجاد الشرقي المفروش دون اعتبار للألوان أو الطراز، بل أحيانا تجد ثلاثا من السجاد بعضها فوق بعض، كما لو كانت مدينة قديمة مبنية على أنقاض حضارات أقدم. وبعد أن تخطت روكساندرا العتبة في حذر شديد، أنزلت حقيبة سفرها، ثم أغلقت الباب الأمامي خلفها.
نادت روكساندرا: «مرحبا، هل من أحد هنا؟»
كان يعقوب جالسا طوال الوقت عند الطاولة ورأسه بين ذراعيه خلف كومة من الأوراق. وعندما وقف ليحييها، كان واضحا كم هو في أمس الاحتياج إلى مساعدة روكساندرا؛ فقد كان معطفه الطويل ملطخا ببقع في عدة أماكن، وأطلق لحيته في إهمال واضح، وكانت عيناه شديدتي الحمرة.
قال كوهين مدهوشا لدى رؤيتها في غرفة معيشته: «يا روكساندرا، اجلسي من فضلك.»
سحبت روكساندرا مقعدا عند رأس الطاولة وجلست.
ثم قالت وهي تضع البرقية على المائدة مبرهنة بها على سبب مجيئها: «لقد طلبت المساعدة، وها أنا ذا.»
أجاب يعقوب: «بالطبع. كيف حالك؟»
أجابت: «بالنسبة إلى الظروف الحالية، فأنا بخير. أشكرك. لكن الرحلة كانت طويلة، وأرغب بشدة في تناول قدح من الشاي.»
Неизвестная страница