فضاقت عيناه ووضع السكين المغطى بالمربى على حافة طبقه.
وأجاب: «بالطبع، على الرحب والسعة. لست مصدر إزعاج أبدا، ولكنني أخشى أن تشعري بالملل فحسب.»
لن أشعر بالملل على الإطلاق، وسوف أظل هادئة تماما.
فأمسك البك بالسكين مرة أخرى ودهن ما تبقى من المربى على حافة الخبز، ثم قطع شريحة من الجبن الأبيض.
قال: «حسنا، ولكن عليك أن تعديني بأن تظلي هادئة تماما.»
فهزت رأسها بالموافقة، واستدار البك إلى السيد كروم . «أخبر عمال الإسطبل أن يعدوا العربة، فسوف تكون الآنسة كوهين في صحبتي.»
فأجاب كبير الخدم وهو ينحني خارجا من الغرفة: «حسنا يا سيدي.»
وقبل أن يغير أي منهما رأيه، وجدت إلينورا نفسها جالسة في عربة البك تشاهد العالم وهو يمر عبر الحاجز الشبكي. وبينما تراجع اللون الأصفر المميز لمنزله خلف مسجد بيشكطاش، شعرت كما لو كان حبلا داخلها يشد ثم ينقطع. لقد خرجت، والهواء البارد يداعب جبهتها، ورائحة البوسفور المالحة الحادة تملأ أنفها، والزهور البرية الأرجوانية تصطف على حافة الطريق، والسحب في السماء بيضاء كحلوى القطن. طوت يديها في حجرها وهي تتابع المساجد والمباني المحلية والقصور والنوافير وأشجار الدلب والصيادين، ومرا بحمار يجر عربة محملة بتلال من فاكهة البشملة البرتقالية اللامعة، ومجموعة من خيام رمضان، ومخلفات احتفالات الليلة الماضية. ألقت إلينورا نظرة على يديها، على راحتيها المفتوحتين، وغطت بهما وجهها ثم استنشقت رائحة الصابون الهادئة.
قال البك والعربة تتوقف: «علينا أن نترجل هنا؛ فالشوارع بعد ذلك شديدة الانحدار.»
كانت محطة القطار الجبلي المائل بجالاتا على بعد بضع خطوات فحسب من مكان توقف العربة. وقفت السيدات الأوروبيات والحمالون التابعون لهم ومجموعة من الرجال المرتدين زيا موحدا في مجموعات من شخصين أو ثلاثة مستظلين بكهف مطلي بالذهب مكسو بالقرميد الوردي والأصفر. وكان المسافرون يختلسون النظر كل فترة إلى الكهف المظلم الذي سيظهر منه قطارهم، متحدثين بصوت خافت، ويراقب بعضهم بعضا بارتياب. وبعد مرور بضع دقائق، ظهر مصباح غاز في الحافة العلوية للنفق. وبصيحة من صفير الهواء المضغوط، توقفت العربة المطلية باللون الأحمر أمامهما، فركبا في العربة الأمامية. ورغم أن إلينورا لم تستطع أن ترى سوى القليل في الظلام، فقد ظلت طوال الطريق تلصق أنفها بالزجاج، محاولة قدر جهدها أن تتبين ما يوجد أمامهما.
Неизвестная страница