قال وهو يمسك لها الباب: «غرفتك أيتها الآنسة كوهين. سوف أطرق الباب في الساعة الثامنة من أجل اصطحابك إلى مائدة العشاء.»
كانت الغرفة الحمراء كما يوحي اسمها؛ مغطاة بورق حائط أحمر اللون من نفس درجة لون الزخارف الموجودة خارج المنزل. ولتخفيف حدة ذلك اللون الأحمر، كانت الألواح الخشبية بالغرفة مطلية باللون الأبيض العاجي، بالإضافة إلى السقف والزخارف التي تزين النافذتين الكبيرتين ذواتي الستة عشر لوحا المقابلتين للباب. وعلى يسار إلينورا يوجد فراش ذو أربعة أعمدة مغطى بستائر من الدانتيل، كما لو كان محفة إمبراطورية، وأمامها أسفل النافذتين بالضبط مقعد جلدي باللون البني الفاتح، وطاولة كتابة من خشب البلوط تعلوها محبرة بلورية، وعلى يمينها مكتب ومائدة للزينة، كل منهما به أدراج تسع أكثر مما تتخيل أن تضعه داخلها. ظلت في المدخل فترة طويلة تتفحص الغرفة وأثاثها والسجادة اللامعة ذات اللونين الأزرق والأخضر المفروشة على الأرض والتي صنعت في تبريز. لقد قضت أسبوعا في بدن السفينة؛ ومن ثم كان يصعب عليها أن تتقبل وجود تلك الرفاهية، وأن تتقبل أيضا أن تلك الغرفة التي تفوق مساحة منزلها في كونستانتسا بأكمله أصبحت لها في الوقت الراهن على الأقل.
سارت إلينورا بخطوات حذرة على حافة السجادة حتى مائدة الزينة، وقربت وجهها من المرآة. راقبت أنفاسها وهي تتكون وتختفي على السطح الفضي، وقطبت وجهها في المنطقة المحيطة بأنفها، ونفخت خدودها. ثم ابتعدت عن المرآة، ورتبت خصلة شعر فوق جبينها، وأمالت رأسها إلى اليسار على نحو جذاب. كانت إلينورا قد شاهدت صورتها في المرآة من قبل لدى الخياط في كونستانتسا، ولكنها لم تتح لها الفرصة قط كي تفحص نفسها عن قرب هكذا. اتكأت للأمام مرة أخرى، واستندت بأنفها على سطح المرآة، بحيث لم يتسن لها أن ترى سوى عينيها والنصف العلوي من وجهها. حاولت التركيز، ولكن كلما أمعنت النظر أصبحت الأشياء أكثر ضبابية. تراجعت خطوة للخلف، ومسحت أنفاسها عن الزجاج، وتأملت نفسها عن بعد. لم يكن لديها شك في أنها جميلة، فطالما أخبرها الناس بذلك طوال حياتها، ولكنها في تلك اللحظة بدت رثة قليلا. فرغم أنها اغتسلت في الليلة السابقة وغسلت ملابسها ونامت على فراش ملائم، كان شعرها ملبدا، وعيناها غائرتين في محجريهما، وثوبها مهلهلا لا شكل له.
اتجهت إلينورا إلى الجانب الآخر من الغرفة كي تفتش فيما يبدو أنه خزانة؛ علها تجد ثوبا أنسب هناك. أدارت المقبض وفتحت الباب فتحة ضيقة، فوجدت أنها خزانة بالفعل، ولكنها فارغة إلا من سترة وزوج من السراويل وطربوش يبدو أنه لصبي في مثل عمرها. مدت يدها كي تلمس نسيج الطربوش بينما سمعت الباب يفتح، فاحتبست أنفاسها في حلقها واستدارت ببطء حتى رأت أن الصوت صادر عن امرأة عجوز متغضنة الوجه ترتدي ثوبا أزرق داكنا. لم تكن المرأة غاضبة من إلينورا لاختلاسها النظر في خزانة البك، بل إنها بدت هي نفسها خائفة قليلا. وضعت كومة من المناشف على أحد المقاعد بجوار الباب، ورفعت وشاحها كي تغطي خصلة من الشعر الأبيض، ومسحت جبهتها بكمها.
قالت بصوت منخفض: «إلينورا، لقد وصلت.»
لم تدر إلينورا كيف ترد على هذا التعليق، فانتظرت المرأة كي تكمل حديثها.
قالت وهي تعبر الغرفة: «أنا السيدة داماكان. عرفت والدك منذ عدة أعوام في كونستانتسا، والآن أعمل لدى البك.»
أخذت يد إلينورا بين راحتيها وأمسكت بها لحظة قبل أن يبدو عليها أنها تذكرت الغرض من وجودها في الغرفة. «قال البك إنك قد تحتاجين إلى تبديل ثيابك كما فعل والدك.»
فقالت إلينورا: «نعم، أعتقد ذلك.» «ولا ضير في الاستحمام أيضا.»
ابتسمت السيدة داماكان وقادت إلينورا عبر باب جانبي إلى الحمام الذي كان مفروشا بالبلاط الأزرق والأبيض، مغلفا بالحرارة والرطوبة، يعبق برائحة شجر البتولا. كان حوض استحمام خزفي يحتل إحدى زوايا الحمام، وفي الزاوية الأخرى قدر نحاسية ضخمة. حكت الخادمة عنقها، وتمتمت ببضع كلمات رقيقة قبل أن تنحني وتخلع ثوب إلينورا من عند رأسها، ثم أخذت القدر النحاسية تحت ذراعها وانصرفت مؤكدة أنها ستعود بعد قليل، تاركة إلينورا وحيدة عارية في منتصف الحمام. ورغم أنها لم تكن تشعر بالبرد، فقد ارتجفت ولفت ذراعيها بإحكام حول صدرها، وحدقت في شبح انعكاسها في أحد القوالب الزرقاء، ثم جلست على حافة المغطس وانتظرت عودة السيدة داماكان، التي عادت حاملة لوفة استحمام ووعاء مليئا بالماء الساخن.
Неизвестная страница