وفور أن طلبا الشاي انحدرت عربة نحو باب المقهى، مشتتة سربا من النوارس وبعض المتطفلين غير المهذبين. كانت العربة ذات تصميم فخم، مكسوة بخشب البلوط، تقودها أربعة جياد عربية رمادية اللون. توقفت العربة للحظات قبل أن يفتح الباب ويخرج منها رجل طويل عريض المنكبين. حدست إلينورا أن هذا هو منصف بك. كان يرتدي سترة زرقاء داكنة، ويعلو رأسه شعر أسود كثيف، وترتسم على وجهه بدقة تلك الملامح المحدبة التي تميز المنمنمات الفارسية. يبدو أنه من ذلك النوع من الأشخاص الذين يقابلهم المرء في «الساعة الرملية»، ذلك النوع الذي لن تدهش إذا وجدته يناقش أمورا ذات أهمية كبرى في قاعة استقبال الكونت أولاف، أو يجلس مستمتعا في المقصورة الخاصة بفون هيرتزوج في الأوبرا. «منصف بك!»
ابتسم الرجل وعانق والدها بحرارة. «عزيزي يعقوب، لم أرك منذ زمن طويل.»
قال والدها: «حقا، منذ زمن طويل حقا.»
تعانقا مرة أخرى، ثم حول منصف بك انتباهه نحو إلينورا التي كانت لا تزال جالسة أمام المائدة.
تساءل «وهذه؟ من هذه الفتاة الجميلة؟»
شعرت إلينورا بالدم يندفع إلى أذنيها، فرفعت بصرها وابتسمت لمنصف بك أفضل ابتسامة يمكنها تقديمها.
قال يعقوب: «هذه ابنتي إلينورا، وآمل ألا يسبب وجودها أي إزعاج. كان من المفترض أن أرسل برقية أخبرك فيها بذلك مقدما، ولكن علي أن أعترف أنها كانت مفاجأة لي أيضا.»
قال منصف بك وهو يربت على معصم يعقوب محاولا تبديد مخاوفه: «لا عليك.» ثم استدار فجأة وأشار إليهما أن يتبعاه، وتابع قائلا: «سوف تفيدنا الطفلة، وخاصة إذا كانت طفلة ساحرة الجمال كابنتك.»
وهكذا تم الأمر، ففور أن شحنت صناديق يعقوب وجه منصف بك بضع كلمات إلى السائق ثم رحلوا. وعلى غرار معظم العربات في إسطنبول، كانت نوافذ عربة البك مغطاة بسواتر خشبية على هيئة تعريشة. وأوضح لهم الأمر قائلا إنه اختراع يحجب الشمس عن الركاب، بل أهم من ذلك فهو يمنع الناس من رؤية السيدات وهن يتجولن في أنحاء المدينة. ولحسن الحظ، فهو لا يمنع من بالداخل من رؤية ما بالخارج. وما إن استقرت إلينورا في المقعد المخملي الأحمر، حتى وضعت يديها في حجرها متقاطعتين، وحدقت إلى الساتر المقابل لها، متابعة صورا ومشاهد متعاقبة للمساجد والمباني المحلية، والقصور الخشبية التي تصدر صريرا، وأشجار الدلب، وعربات نقل الخضراوات، وما يبدو أنه سربها يحلق فوقهم منتصرا.
قال يعقوب وهو يضع ساقا على الأخرى: «لقد تغيرت المدينة كثيرا. بالطبع، فلم آت إلى هنا منذ عشرة أعوام تقريبا.»
Неизвестная страница