Карл Поппер: сто лет просвещения
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Жанры
لقد طالما تحدث بوبر عن أكذوبة الاستقراء، أي الوهم القائل بأننا نكتشف الاطرادات بأن نستمدها من الملاحظات المتكررة أو التجارب. وها هو يعيد واحدة من حججه في هذا المقام:
32
إن جميع الملاحظات (بل جميع التجارب) هي شيء مشرب بالنظرية ممتزج بها. إنها تأويلات في ضوء النظريات. إننا لا نلاحظ إلا ما تجعله مشكلاتنا (وموقفنا البيولوجي واهتماماتنا وتوقعاتنا وبرامج فعلنا) أمرا معنيا ذا صلة. وبالضبط كما أن أدواتنا التي نستخدمها في الملاحظة قائمة على نظريات، كذلك أعضاء حسنا نفسها التي بدونها لا يمكننا أن نلاحظ. فليس ثمة عضو حسي خلو من نظريات توقعية مدمجة به جينيا. مثال ذلك أن الضفدع يعجز عن رؤية ذبابة بالقرب منه إذا كانت لا تتحرك، إنه لا يميزها كفريسة سانحة. هكذا نجد أن أعضاء حسنا هي نتاج التكيف، وبوسعنا القول بأنها «نظريات»، أو تضمر نظريات. إن النظريات تأتي قبل الملاحظة، ومن ثم فهي لا يمكن أن تكون نواتج لملاحظات متكررة.
علينا إذن أن نتخلى عن نظرية الاستقراء بواسطة التكرار، وأن نستبدل بها نظرية تقول بتنويعة اختبارية من النظريات أو برامج الفعل، واختبارها النقدي من خلال استخدامها في أفعالنا.
33 (10) النفس مرساة في العالم 3
لا شك أن الحيوان يشعر ويعي، ولا شك أن الحيوانات تتألم كثيرا إن أصيب بأذى، وأن الكلب ينبهج كثيرا حين يعود صاحبه. غير أن الإنسان وحده هو القادر على الوعي بذاته والتأمل في نفسه. ومن المتيقن أن كل كائن عضوي لديه برنامج فعل، غير أن الإنسان وحده هو من يملك القدرة على أن يعي بأجزاء هذا البرنامج وأن يراجعها مراجعة نقدية. وتضطلع اللغة في هذه العملية بدور أساسي. وما من معنى يتأمله المرء ولا إبداع يبدعه إلا هو مستند إلى اللغة أو إلى النشاط الرمزي عموما، فما دام المرء يضمر حدسا ما دون تمثيل رمزي معين، فإنه يظل متوحدا بالحدس ممتزجا به، ولا يملك من ثم تقليبه ونقده. ولكن بمجرد أن يصوغ هذا الحدس أو يدونه في صورة رمزية فإنه «ينفصل» عنه، ويصبح قادرا على أن ينظر إلى حدسه بطريقة «موضوعية»، باعتباره شيئا من أشياء العالم 3، فينقده ويتعلم منه، وربما يتعلم من رفضه.
قد تكون للحيوانات العليا شخصية وطبع، وتكون لها فضائل ورذائل، فيكون الكلب مثلا شجاعا مخلصا ودودا أو يكون شريرا وخائنا. إلا أن الإنسان وحده هو الذي يمكنه أن يسعى إلى أن يصبح إنسانا أفضل، أن يتحكم في مخاوفه ويسيطر على اندفاعاته ويقوم عيوبه.
في جميع هذه الأمور يأتي الفارق بين الإنسان وغيره من الكائنات من ارتكاز النفس البشرية على العالم 3، وبخاصة على اللغة البشرية. فاللغة هي التي تتيح لنا أن ننعكس على أنفسنا ونجعل منها موضوعا لتأملنا النقدي. ذلك أن للغة طابعا اجتماعيا، وأنها تمكننا من أن نتحدث عن غيرنا من الناس وأن نفهمهم عندما يتحدثون عن أنفسهم.
34
هذه الصبغة الاجتماعية للغة، وهذا الفضل الذي ندين به للغة، وبالتالي للآخرين، في جعلنا بشرا مدركين عاقلين، يثبت لنا بوضوح أننا صنيعة العالم 3، الذي هو بدوره صنيعة ما لا يحصى من العقول البشرية.
Неизвестная страница