Карл Поппер: сто лет просвещения
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Жанры
أما بوبر فيذهب إلى أن هناك عالما لا ماديا واقعيا يؤثر على العالم المادي، وهو يفسر بزوغ العقل اللامادي الواقعي تفسيرا نشوئيا. (3) التطور العضوي: «العادات تتغير أولا»
ينظر عادة إلى الانتخاب الطبيعي
Natural Selection
على أنه تفاعل بين المصادفة العمياء (الطفرة
Mutation ) وبين قوى من الخارج ليس للكائن الحي بها يد، فأهداف الكائن العضوي ورغباته لا تقدم شيئا ولا تؤخر، أما نظريات لامارك وبطلر وبرجسون، والتي ترتكز على اختيارات الكائن وغاياته، فهي تناقض هذه الداروينية القديمة، وتقول بإمكان وراثة الصفات المكتسبة، وقد قام بولدوين ومورجان بتصويب هذه الأفكار في نظرتهما عن التطور العضوي، فذهبا إلى أن كل حيوان، وبخاصة في المستويات الأعلى من التطور، لديه مخزون متنوع من السلوك، وهو بتبني شكل جديد من السلوك يمكنه أن يغير البيئة، ومن خلال اختبار حقيقي - لغذاء جديد مثلا - يمكن أن يغير البيئة ويعرض نفسه وسلالته من بعده لضغوط انتخابية جديدة، وبذلك يكون من شأن رغبات الحيوان وأغراضه وتفضيلاته وخياراته أن تؤثر على نتيجة الانتخاب الطبيعي، بل إن بوسعنا أن نقول إن هذه الخيارات كثيرا ما تكون حاسمة في مآل التطور، فمن الأرجح كثيرا أن عادات الغذاء الجديدة هي التي تؤدي - بالانتخاب الطبيعي (وبطريق الطفرات العفوية) - إلى تكيف تشريحي جديد، لا أن التغير التشريحي العفوي هو الذي يفرض عادات غذائية جديدة، والمثال النموذجي على ذلك هو الزراف الذي طالت رقابه بسبب المحاولات المستمرة للوصول إلى غذاء مرتفع، فبحسب الداروينية الحديثة، فإن تفضيل الزراف لهذا الغذاء جاء أولا فخلق ضغطا انتخابيا يؤهل للبقاء تلك الأفراد الأطول عنقا، وإلا فما جدوى الرقاب الطويلة لو أن أسلاف الزراف كانت قد اختارت لها بيئة قريبة المأخذ دانية الزرع؟
يوافق بوبر على أن كلا الطريقين في التطور جائز، ولكنه يؤكد على أنه في حالات كثيرة، وفي بعض الحالات الأشد خطرا وأهمية، كانت العادة هي التي تتغير أولا، هذه الحالات هي ما يطلق عليها اسم «التطور العضوي»
Organic Evolution ، والأهم من ذلك أن بوبر يختلف مع دارون في قوله بأن هذه المسألة (أي أولوية العادة أو البنية التشريحية) «غير ذات بال بالنسبة لنا»، ذلك أن لها عند بوبر أهمية هائلة، فالتغيرات التطورية التي تبدأ بأنماط سلوكية جديدة - بخيارات جديدة، بأغراض جديدة للحيوان - لا تجعل التكيفات أقرب فهما فحسب، بل هي تعود، فتسبغ على أهداف الحيوان وأغراضه الذاتية دلالة تطورية،
9
كما أن نظرية التطور العضوي تفسر لنا كيف تصبح آلية الانتخاب الطبيعي أكثر كفاءة عندما يكون لدى الحيوان مخزون سلوكي أكبر، ومن ثم فهي تبرز القيمة الانتخابية لوجود حرية سلوكية فطرية معينة، بعكس التصلب السلوكي الذي يجعل من الصعب على الانتخاب الطبيعي أن يفضي إلى تكيفات جديدة، ولعل هذه النظرية أن تقرب إلى الفهم كيف بزغ العقل البشري، فكما نوه سير أليستر هاردي في كتابه «التيار الحي» فإن «هذه الصياغة الجديدة لنظرية دارون يمكن أن توضح علاقتها بروح الإنسان»، إن بمقدورنا أن نقول إن الإنسان حين اختار أن يتكلم وشغف بالحديث، فإنه اختار أن يطور دماغه وعقله، وأن اللغة ما إن ابتكرت حتى مارست ضغطا انتخابيا انبثق من تحته الدماغ البشري والوعي بالذات، فظهور اللغة هو الذي خلق الضغط الانتخابي الذي أدى إلى ظهور اللحاء المخي ومعه وعي الإنسان بذاته.
10 (4) لا جديد تحت الشمس: الردية والعلية الهابطة
Неизвестная страница