Карл Поппер: сто лет просвещения
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Жанры
يؤثر عن ألدوس هكسلي قوله: «إن مشكلة الحرية، بمعناها السيكولوجي لا السياسي، هي مشكلة تقنية إلى حد كبير. ليس يكفي أن ترغب في السيادة، ولا هو بكاف أن تجد وتجتهد لكي تنال هذه السيادة. فالمعرفة الصحيحة لأفضل الوسائل لنيل السيادة هي أيضا شرط ضروري.»
3
وقريب من هذا ما ذهب إليه بوبر في مجال السياسة. ليس يكفي لأي شخص في موقع سلطة أن تكون لديه سياسات بمعنى غايات وأهداف مهما وضحت صياغاتها. فلا بد أن يمتلك أيضا وسائل تحقيقها؛ ومن ثم فمن واجبه أن ينظر إلى شتى أنواع النظم والمؤسسات بوصفها «آلات» لإنجاز سياساته. وإن تصميم نظام (مؤسسة) سياسي بحيث يؤتي الثمار المرجوة منه لهو أمر مضاه في صعوبته لتصميم آلة مادية. فإذا قام مهندس بتصميم آلة جديدة وكان تصميمه غير صحيح بالنظر إلى الغرض المطلوب، أو قام بتعديل آلة قائمة أصلا دون أن يجري جميع التغييرات المطلوبة، فإن نتاج الآلة لن يكون موافقا لما أراده منها، بل لما هو بطوقها أن تنتجه فحسب. وهو نتاج قد يكون مخالفا لجميع المواصفات المطلوبة، بل قد يكون مؤذيا خطرا.
هكذا الأمر بتمامه بالنسبة للآلية السياسية؛ فهي لن يكون بقدرتها أن تأتي بما يتوسمه القائمون عليها، بغض النظر عن كفاءتهم، وبغض النظر عن حسن أدائهم ونواياهم وصياغتهم لأهدافهم. ثمة إذن حاجة لتكنولوجيا سياسية وعلم سياسي (أو إداري) يجسد موقفا نقديا مستمرا وبناء للوسائل التنظيمية في ضوء الأهداف المتغيرة. ينبغي أن تخضع عملية تنفيذ السياسات لاختبار دائم، وأن يتم هذا الاختبار لا بالتثبت من أن الجهود المبذولة قد أتت بالنتائج المرغوبة بل بالتفتيش عن النتائج غير المرغوبة. «فاختبار السياسات كاختبار النظريات يجب أن يكون تكذيبيا.» مثل هذا الاختبار سهل دائما من الوجهة العملية وغير مكلف، كما أنه مفيد اقتصاديا وهائل الجدوى؛ ذلك أن من دأب الحكومات أن تنفق مبالغ طائلة وتستنزف جهودا كبيرة في سياسات خاطئة دون أن تبذل ذلك الجهد الهين والكلفة الزهيدة المطلوبة لرصد النتائج غير المرغوبة. يميل القائمون على النظم السياسية إلى غض الطرف عن الأدلة التي تشهد بأن النتائج التي يصبون إليها لا تحدث. إنهم لا يبحثون عن «المكذبات»
Falsifiers
رغم أنها أهم شيء ينبغي أن يلتفتوا إليه. وإن هذه المهمة، مهمة البحث الدائم عن الخلل حتى على مستوى التنظيم نفسه، لهي أصعب ما تكون في الأنظمة الاستبدادية. وهكذا تستشري اللا عقلانية لتطال الأدوات نفسها التي يستخدمونها.
كان بوبر داعية مخلصا للديمقراطية الليبرالية. يعبر بعمق عن مشاعره الأخلاقية تجاه المسائل السياسية، غير أن المشاعر الحارة كانت قاسما مشتركا بين كثرة المفكرين الليبراليين. أما ما يميز بوبر بحق عن غيره من فلاسفة الديمقراطية فهو ثراؤه الفكري والغزارة المنقطعة النظير لأدلته وبراهينه العقلية. لقد كان الاعتقاد السائد في نطاق عريض من الأمم والشعوب، في القرن العشرين بخاصة، هو أن منطق العقل والعلم لا بد أن ينادي بمجتمع منظم تنظيما مركزيا ومخطط بوصفه كلا واحدا لا انقسام فيه ولا تعدد. فجاء بوبر ليثبت أن هذا التصور، عدا أنه استبدادي تسلطي، يرتكز على تصور للعلم مغلوط وبائد. فكل من منطق العقل ومنهج العلم يشير إلى مجتمع «مفتوح» وتعددي، يسمح بالتعبير عن وجهات النظر المتعارضة وتبني الأهداف المتضادة ... مجتمع يتمتع فيه كل فرد بحرية البحث في المواقف الإشكالية، وحرية اقتراح الحلول، وحرية انتقاد الحلول التي يقترحها الآخرون وبخاصة أعضاء الحكومة، سواء في مرحلة الشروع النظري أو التطبيق العملي. مجتمع تتغير فيه سياسات الحكومة في ضوء المراجعة والفحص النقدي.
ولما كانت السياسات عادة هي خطط ينادي بها ويشرف على تنفيذها أناس ملتزمون بها بطريقة أو بأخرى، فإن التغيير المطلوب حين يتجاوز حجما معينا يقتضي تغيير الأشخاص. يترتب على ذلك أن تحقيق المجتمع المفتوح على أرض الواقع يستلزم أولا وقبل كل شيء أن يكون هناك مجال وإمكانية لإقصاء من هم في السلطة على فترات معقولة وبدون عنف واستبدال آخرين ذوي سياسات مختلفة. ولكي يكون هذا خيارا حقيقيا، فإن ذوي السياسات المخالفة لسياسات الحكومة يجب أن يتمتعوا بحرية تشكيل أنفسهم كحكومة بديلة جاهزة لتولي السلطة. يعني هذا أن بإمكانهم أن ينظموا أنفسهم ويتحدثوا ويكتبوا ويطبعوا ويذيعوا ويعلموا برامجهم المنتقدة للسلطة القائمة، وأن يكفل لهم الدستور منفذا إلى خلافة الحكومة. يتم ذلك على سبيل المثال عن طريق الاقتراع الدوري الحر.
مثل هذا المجتمع هو الذي يدعوه بوبر «الديمقراطية »، وإن كان كعادته لا تستعبده «الألفاظ» ولا يحب الجدل اللفظي. إنه يعني بالديمقراطية التمسك بالنظم (المؤسسات) الحرة القادرة على نقد الحكام وتغييرهم دون إراقة دماء، وهو غير مسئول عما لحق تعبير «المؤسسات الحرة» من سوء سمعة من جراء الصراع الدعاوي الأمريكي أثناء الحرب الباردة. (2) مفارقة الديمقراطية
لم تكن الديمقراطية التي تصورها بوبر مجرد حكومة تنتخبها الأغلبية من المحكومين، إذ أن هذه النظرة القاصرة من شأنها أن تفضي إلى ما يسمى «مفارقة الديمقراطية»: «هب أن الديمقراطية هي مجرد تصويت الأغلبية، فماذا لو صوتت الأغلبية لصالح حزب، كالحزب النازي أو الشيوعي أو ما شئت، لا يؤمن بالنظم الحرة، وجدير إذا قبض على زمام الأمور أن يطيح بها؟ إننا هنا أمام معضلة حقيقية، فإذا منعنا مثل هذا الحزب من نيل السلطة نكون قد نبذنا الديمقراطية، وإذا تركناه فإنه سيتكفل بالقضاء على الديمقراطية. وفي الحالتين تكون الديمقراطية إذا ما اقتصرت على تصويت الأغلبية قد حملت في داخلها جرثومة فنائها، تكون مفهوما انتحاريا.»
Неизвестная страница