Арабы этого времени: страна без владельца
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Жанры
الوعظ من أخطر أنواع الخطاب الديني على حياة الناس. يساهم في الاغتراب عن العالم، والخروج خارجه، والوقوع في دائرة الوهم، خاصة لو كان الموضوع المعاد والأخرويات، وما يحدث للإنسان بعد الموت، ابتداء من عذاب القبر ونعيمه حتى عذاب النار ونعيم الجنة، مرورا بالحشر والصراط والميزان والحوض والشفاعة. يساهم الوعظ في تزييف الوعي، ويقوم بنفس الدور الذي يقوم به الخطاب السياسي للحزب الحاكم في إعطاء الوعود والإيهام بالحلول. يوهم الوعظ بأن المشكلة في النفس وليست في الواقع، في تربية المواطن وليست في الأوضاع الاجتماعية، في الأخلاق وليست في السياسة. والحل في الكلام وليس في الفعل، في الفرد وليس في المجتمع، في الإعلام وليس في الشارع، بكثرة الدعاة والوعاظ وليس بالطلائع الثورية للعمال والفلاحين والمثقفين. هناك فرق بين التخدير واليقظة، بين المسرح والحياة، بين الجلوس أمام الشاشة الضوئية والمشاركة في إضراب العمال في المصانع، بين الرضا عن النفس والغضب من الزمان. (قدر أحمق الخطى سحقت قامتي خطاه.)
الفتنة بين السلفيين والعلمانيين
5
وهل يحتاج الوطن العربي إلى فتنة جديدة تزيده تقسيما وتفتيتا وتجزئة؟ وكيف يتم ذلك بأيدينا وليس بأيد أجنبية؛ أمريكية صهيونية؟ وفي نفس الوقت نقرأ تاريخنا ونعيب على أنفسنا وقوعنا في الفتنة الكبرى الأولى بين علي ومعاوية، وننعى لأنفسنا ضياع الأندلس للحروب بين ملوك الطوائف وسقوط الإمبراطورية العثمانية للفتنة العرقية فيها بين الأتراك والأرمن والعرب ومختلف القوميات في أوروبة الشرقية.
إن الخصومة الدائرة الآن بين السلفيين والعلمانيين إنما تساهم في تفتيت الأوطان من الداخل، وهي في أشد الحاجة إلى التمسك بالوحدة ضد مخاطر التفتيت من الخارج، والوقوف أمام المخطط الأمريكي الصهيوني لتفتيت الأوطان بداية بالعراق، وكما قرر الكونجرس الأمريكي بجلسته أخيرا إلى مناطق ثلاث؛ كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب. والصراع بين عشائر وقاعدة، وليس بين المقاومة والاحتلال. وهو ما يجري الحال الآن بالنسبة إلى السودان وتقسيمه إلى شمال عربي إسلامي، وجنوب زنجي مسيحي، وغرب عرقي، وشرق قبلي. والخطر ما زال قائما على الخليج كله، وتقسيمه طائفيا ومذهبيا إلى سنة وشيعة، أو عرقيا بين عرب وآسيويين، والأمم المتحدة بالمرصاد تتلقى توجيهات الدول الكبرى باسم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات. والخطر يهدد المغرب العربي كله وتقسيمه إلى عرب وبربر، والمغرب إلى مغاربة وصحراويين، وتشاد ومالي ونيجيريا إلى شمال عربي مسلم وجنوب زنجي مسيحي. بل ويهدد شبه الجزيرة العربية كلها إلى نجديين في الوسط، وحجازيين في الغرب، ورافضة وسنة في عمان، وزيدية وشوافع في اليمن. ويهدد التقسيم لبنان إلى مسلمين وموارنة كما حدث في الحرب الأهلية، أو إلى موالاة ومعارضة كما يحدث الآن. والخطر يهدد الأردن وتقسيمه إلى بدو وحضر. ويهدد سورية بتقسيمها إلى علويين في الحكم، وسنة في المعارضة. وقد تقع حروب أهلية بين السلفيين والعلمانيين لتهدد وحدة الأوطان كما يحدث في الجزائر دائما، وفي المغرب أحيانا. وقد يقع الشقاق بين السلفيين والإصلاحيين كما يحدث في الكويت. وهو ما يهدد الأمن القومي في مصر في الفتنة النائمة بين المسلمين والأقباط، بالرغم من ادعاءات الوحدة الوطنية، ومظاهرها المفتعلة، وقضايا التنصير والطلاق والزواج المشترك، والسلوك المعيب لبعض الرهبان، والفتاوى الرنانة لبعض المشايخ بالنسبة لإرضاع الكبار، أو التبرك ببول الرسول، أو التوتر داخل الحزب الحاكم بين الرعيل الأول والرعيل الثاني، أو بين الحكومة والمعارضة على كل المستويات، الحكم والتوريث والخصخصة والفساد، وآخرها حبس رؤساء تحرير الصحف المستقلة.
وأخيرا برزت في مصر فتنة جديدة بين أبناء الوطن الواحد بين السلفيين والعلمانيين. العلمانيون يهاجمون السلفيين آراء ومواقف وشخصيات وكأنه لا يوجد خطر في البلاد إلا منهم، ولا يهاجمون المطبعين مع إسرائيل والمتأمركين باسم الليبراليين الجدد، ولا الأغنياء الجدد في مارينا وسواحل البحر الأحمر والأبيض، ولا احتكار الحديد والأسمنت، ولا بيع القطاع العام والمؤسسات والشركات والبنوك باسم الخصخصة، ولا تزوير الانتخابات، ولا قوانين الطوارئ أو قانون مكافحة الإرهاب، ولا حبس الصحفيين، ولا التفاوت الشديد بين الأغنياء والفقراء، ولا مظاهر الفساد الاقتصادي والسياسي، ولا الشللية في الحكم وجماعات الضغط؛ ومن ثم يضع العلمانيون أنفسهم في نفس الخندق مع الحكومة التي تعتبر الإسلاميين ممثلين في الإخوان المسلمين عدوهم الأول، وخندق الأمريكيين في اعتبار الحركات السلفية الجهادية في العراق وأفغانستان وفلسطين، وفي أمريكة وأوروبة عدوها الأول، والذي بمواجهته يجد المحافظون الجدد شرعية لوجودهم، وتبريرا لسياساتهم العدوانية على الشعوب، وذريعة لتكوين الإمبراطورية الأمريكية الجديدة.
والصراع بين السلفيين والعلمانيين في حقيقته ليس صراعا فكريا؛ فهناك سلفية علمانية، وهناك علمانية سلفية. هو صراع على السلطة! ونيل الحظوة لدى الحاكم، والتسرب إلى أجهزة الدولة ومواطن السلطة فيها، اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية، بل وقضائية. وقد استثمر الحكام هذا الصراع على السلطة والتسابق إليها بالاعتماد على العلمانيين مرة لاستبعاد السلفيين، أو بالاعتماد على السلفيين مرة أخرى لإقصاء العلمانيين حتى يضعف الجناحان، ويقوى القلب، ولا يكون هناك بديل آخر، لا «الإسلام هو الحل» ولا «العلمانية هي الحل»، بل «الحكومة هي الحل».
والحقيقة أن الاستقطاب الحالي بين السلفيين والعلمانيين هو استقطاب مفتعل نظرا لوجود تيارات علمانية داخل الحركة السلفية مثل حزب الوسط، بل والإخوان المسلمين أنفسهم في مصر وسورية ولبنان واليمن والمغرب. تقول بالدولة المدنية، وبأن السلطة للشعب، وتدافع عن التعددية السياسية، وتلجأ إلى صناديق الاقتراع؛ فالمسافة بينها وبين العلمانيين ليست كبيرة. والإطار المرجعي العام الإسلامي أو الغربي يلتقيان في المصالح العامة؛ فالمصلحة أساس التشريع، والشريعة وضعية كما قرر الشاطبي مثل القانون الوضعي. ومن العلمانيين من يسلم بأن الإسلام هو التراث القومي للأمة وثقافتها الوطنية.
هناك إذن جسور التقاء بين السلفيين والعلمانيين تسمح بالحوار الفكري والوطني بينهما من أجل مواجهة العدو المشترك؛ والقهر والفساد في الداخل، والتبعية للخارج والاعتماد عليه. وحركة النهضة التي يعتز بها العلمانيون، الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين والطهطاوي وطه حسين والعقاد، جذورها ومنطلقاتها وأطرها المرجعية سلفية.
وليست كل الحركات السلفية تمارس العنف ضد الأبرياء؛ فالسلفيون يجاهدون في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير، ويقاومون حكم الفرد المطلق والنظام العسكري القهري في باكستان. السلفية في النهاية رد فعل طبيعي على الحركات العلمانية للتحديث التي تمت تجربتها في حياتنا المعاصرة، ليبرالية وقومية وماركسية، وكانت النتيجة مزيدا من الاحتلال؛ فقد ضاع نصف فلسطين في 1948م في العصر الليبرالي، وضاع النصف الثاني في 1967م في العصر القومي، وازدادت المسافة بين الأغنياء الجدد والفقراء الجدد، واشتد القهر، وضاعت قيم الحرية والعدالة معا. السلفية صرخة احتجاج ضد مآسي العصر؛ تبعية النظم وعجز الشعوب.
Неизвестная страница