Арабы этого времени: страна без владельца
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Жанры
ولكم في القصاص حياة (البقرة: 179)، وقد توفي ما يقرب من خمسين طفلا، بل في نظام سياسي يبيح التصفية الجسدية لخصومه السياسيين. واكتملت التمثيلية بدخول أهالي الأطفال الشهداء على الخطأ، وقيامهم بمظاهرات تطالب بالقصاص، وعبروا عن فرحتهم بإعدام القتلة، وهم أنفسهم الذين عبروا عن الفرحة بقبول التعويض وإنهاء الموضوع سلميا بعد تدخل مؤسسة خيرية على الخط، تقوم بدور الوسيط بين الضحية والجلاد لتعظيم دورها، واستعدادا للتوريث على الصعيدين الداخلي والخارجي.
كانت قيمة صفقة بيع النفس العربية مليون دولار لكل طفل، ومجموعها أربعمائة وخمسين مليونا لخمسين طفلا، وهو أقل من ضخة نفط في يوم واحد. وفرحت الأسرة ببيع طفلها، تنعم برغد العيش بثمن دمه، وفرحت أسرة أخرى بعلاج طفلها على نفقة القاتل مدى الحياة، وكسبت الدولة تحديث مستشفياتها بأطباء أوروبيين، وكأن الطب العربي المشهود له قديما وحديثا عاجز عن القيام بواجبه. ونجح النظام السياسي في فك الحصار عنه، وشطبه من قائمة الإرهاب، وزيادة التبادل التجاري بينه وبين الاتحاد الأوروبي، وتسهيلات تأشيرات الدخول لكل من الطرفين لدى الطرف الآخر، وزيادة البعثات الطلابية للدراسة في الغرب، وعودة العلاقات مع الغرب إلى مستواها الطبيعي، بدلا من تكرار غزوها في 1986م من القوات الأمريكية، وبدلا من الترصد لباقي القادة العرب أسوة بصدام وحبل المشنقة حول عنق رئيس عربي. وكلها في النهاية وعود قد لا تتحقق بمجرد الإفراج عن الرعايا البلغار.
وكسبت فرنسة، ورئيسها الجديد في حاجة إلى دور يلعبه في الحوار الوطني بين الخصماء في الوطن في لبنان، وفي الإفراج عن الممرضات البلغاريات ورفيقهن، وفرنسة هي التي صاغت «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن» أثناء الثورة الفرنسية. والسيدة حرمه تقوم بدور السيدة الأولى في رعاية الشئون الاجتماعية والخدمات الإنسانية والمشروعات الثقافية، كما هو الحال في معظم البلدان العربية. وفرنسة هي التي رفضت حتى الآن الاعتذار للجزائر عن جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية والمليون شهيد، وهي التي تسعى إلى إقامة محكمة دولية لقتلة رفيق الحريري، وتترك عشرات الآلاف من السجناء الفلسطينيين في سجون إسرائيل. ودخلت دولة عربية صغرى على الخط لتساعد دولة عظمى، وتقوم بدور مصر المستمر في لم الشمل العربي محليا ودوليا.
ووصل الجناة الأبطال إلى صوفية، واستقبلوا بالورود والرياحين والدموع الإنسانية تنهمر من عيون القادمين والمستقبلين، وكأنهم أبطال عادوا منتصرين في الحرب ضد العرب. وفي نفس اللحظة، وبدلا من أن يقضوا الحكم المؤبد بسجون وطن الشهداء، وهو لا تنقصه السجون ولا المسجونون ولا السجانون، وبدلا من أن يقضوا المدة في أوطانهم وقد عرفت يوما بأنها أيضا تغص بالمسجونين السياسيين، واحتراما لأحكام القضاء، فإن الرئيس البلغاري أصدر حكما بالعفو عن القتلة، فيضيع دم الأطفال هباء، وتنتهي التمثيلية التي دامت تسع سنوات؛ فالغرب هو الغرب، والشرق هو الشرق. أوروبة هي أوروبة، والعرب هم العرب؛ تأكيدا على الصور النمطية التي تراكمت عبر التاريخ، وما زالت مستمرة في الحاضر والمستقبل.
ويظهر المعيار المزدوج الشهير في سلوك الغرب. يقيم الدنيا ويقعدها من أجل الممرضات البلغار والطبيب البلغاري وآلاف المعتقلين السياسيين في سجون إسرائيل، ومئات الشهداء من القصف الإسرائيلي، وملايين الأطفال العراقيين استشهدوا من جراء الحصار والقصف الأمريكي دون أن يحرك الغرب ساكنا، لا رئيس الجمهورية الفرنسية ولا أحد من المؤسسات الخيرية العربية أو الغربية، ولا دولة عربية صغرى أم كبرى. ولو قامت ممرضات وأطباء عرب بالقيام بنفس الجريمة التي قامت بها الممرضات البلغار في أطفال غربيين أو إسرائيليين انتقاما من حقبة استعمارية ما زالت مستمرة، لقامت الدنيا وقعدت ضد المجرمين العرب وثقافتهم اللاإنسانية. وقد غزت إسرائيل دولة بأكملها، لبنان، لتحرير ستة من أسرى الحرب الإسرائيليين، ولديها عشرة آلاف من السجناء الفلسطينيين.
دولة تبيع مواطنيها، وتتاجر بأطفالها لتحمي نظامها، وهي دولة مبادئ وأيديولوجيات قومية أولا وأفريقية ثانيا. اشتراكية أولا، وتعطي إشارات بالخصخصة والعولمة والرأسمالية ثانيا أسوة بغيرها. ولماذا تختلف الشقيقة الصغرى عن الشقيقة الكبرى؟ وبيع نفس عربية بالعشرات أقل بكثير من بيع نفس عربية أو إسلامية بالآلاف في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والسودان وتشاد ومالي أو في باكستان.
قد يغضب الإخوة الليبيون، ولكن ليبيا بالنسبة لجيلي هي السنوسية وعمر المختار. ليبيا ثورة الفاتح في 1969م لا الثورة المضادة. ليبيا القومية العربية لا المهادنة للغرب. ليبيا المبدأ لا المساومة. ليبيا التاريخ لا خارج التاريخ.
السلاح أم الحوار؟
4
إن حالة الاستقطاب الشديد لا تميز فقط الوطن العربي بين إسلاميين وعلمانيين، في فلسطين بين حماس وفتح، وفي الجزائر بين جبهة الإنقاذ الوطني والدولة، وفي الصومال بين المحاكم الشرعية والنظام السياسي المستعاد باسم الدولة، وفي السودان بين الشمال والجنوب، وبين الشمال والغرب، وفي اليمن بين الحوثيين والدولة، بل أيضا في العالم الإسلامي خاصة في باكستان كما دل على ذلك المواجهة الأخيرة بين قوات الجيش وطلاب الجامع الأحمر في إسلام آباد هذا الشهر. وتسيل دماء العرب والمسلمين كل يوم، مقاتلين وأبرياء، دينيين ومدنيين، حتى أصبح الدم العربي الإسلامي رخيصا يسفكه أعداء الأمة في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير. وخطورة الاستقطاب هو الوقوع في ثنائية متعارضة بين طرفين، يستبعد كل منهما الآخر، ثنائية الحق والباطل، والصواب والخطأ، والإيمان والكفر. لا يبقى طرف إلا بالقضاء على الآخر، في الفكر وفي الواقع، في الذهن وفي السلطة؛ فالفرقة الناجية واحدة بالرغم من تعدد الفرق، وأن اختلاف الأئمة رحمة بينهم، وأهمية التعددية الفكرية والسياسية.
Неизвестная страница