Арабы этого времени: страна без владельца
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Жанры
وفي تاريخنا القديم حدث نفس الشيء؛ فقد ذبح الجعد بن درهم يوم عيد الأضحى أسفل المنبر لأنه كان معارضا للحكم الأموي، ويقول بقدرة الإنسان على الاختيار. وقتل أبو نواس بتهمة الزندقة. وصلب الحلاج بتهمة الخروج على العقائد. وذبح السهروردي لقوله بحكمة الإشراق.
كانت كل حركات التجديد والتحديث والنهضة والإصلاح والتغير الاجتماعي والنهضة الحضارية والثورة ضد القهر الاجتماعي بالرغم من سطوته، وكان الاستسلام للقهر الاجتماعي أحد أسباب الركون والخمول والتأخر والانحطاط. لا تقوم نهضة على قهر، ولا تقدم على تقليد، ولا ثورة على تسليم. في لحظات الانتصار يتم تغيير التقاليد، وفي لحظات الانكسار تتم المحافظة عليها حماية للمجتمعات. وهي حماية وقتية بالانكفاء على الداخل لحماية النفس بعد أن ضاع العالم. ولما كان المجتمع العربي يمر الآن بمرحلة انكسار، باستثناء المقاومة في العراق وفلسطين، اشتد القهر الاجتماعي. ولما كان أيضا يتوق إلى الانتصار، يكون تحرره من القهر الاجتماعي قريبا.
التناقضات الهدامة
ما زال الغرب هو الذي ينتج المفاهيم ونحن نشرحها. ما زال الغرب يزهو عليها بأنه وحده القادر على التنظير المباشر للواقع وإنتاج المفاهيم والنظريات، في حين أننا ما زلنا نعتمد على النصوص القديمة كحجة سلطة نفسر بها أوضاع العالم، وتحدد لنا موجهات السلوك. ما زلنا نعتمد على الأيديولوجيات الجاهزة، الإسلامية أو القومية أو الليبرالية أو الماركسية، لتفسر لنا العالم، وتحدد لنا اتجاهات التحرك فيه.
فقد أنتجت أمريكة مفهوم «الفوضى الخلاقة»، وتعني بها تفجير التناقضات في الوطن العربي والعالم الإسلامي بحيث يتفتت الكل، ويصبح كل جزء نقيض كل جزء كما هو الحال في القنابل العنقودية، فتتناثر الأجزاء وتتباعد بعد أن يصطدم بعضها بالبعض الآخر في اتجاهات عشوائية لا يمكن ضبطها مهما بلغت ضربات العصا للاعب الماهر، ويتحول الجسد العربي الإسلامي إلى شظايا يصعب جمعها من جديد في جسد واحد بعد أن تبتلع القوى النشطة في المنطقة، مثل إيران أو تركية أو إسرائيل، بعضا منها إلى غير رجعة، كما ابتلعت القوى الكبرى ممتلكات الدولة العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وابتلعت روسية القيصرية في القرن التاسع عشر، ثم روسية الاشتراكية للجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا بعد ثورة أكتوبر 1917م. وما زالت ظواهر التفتيت والتقسيم للإمبراطورية العثمانية قائما.
ظن العرب أن القومية العربية هي البديل عن دولة الخلافة تحميهم من التقسيم، فاحتلت بلاد العرب، واستبدل العرب بالسيد الإسلامي السيد الغربي، ولم تستطع الجامعة العربية إعادة جمع الأقسام إلا على مستوى النظم السياسية المتناقضة فيما بينها، ولم تستطع القومية العربية كحركة تحرر وطني إلا تحرير الأوطان بمساعدة الشقيقة الكبرى. وبعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967م، لم تستطع القومية العربية حماية الشقيقة الكبرى ولا فلسطين ولا روسية ولا لبنان. واحتلت فلسطين كلها؛ نصفها في العصر الليبرالي في 1948م، والنصف الآخر في المد القومي في 1967م، ثم وقعت حرب الخليج الأولى، وظهر التناقض المفتعل بين القومية العربية التي احتجت بها العراق والثورة الإسلامية في إيران، ثم وقعت حرب الخليج الثانية، وتحولت القومية العربية من مدافع عن الأوطان إلى محتل لها، وأصبح العدو للكويت هو العراق واقعا، وليست إيران وهما، أو إسرائيل أو الولايات المتحدة فعلا.
بدأت التناقضات الهدامة بالتناقض بين المقاومة الفلسطينية والنظم السياسية العربية كما حدث في أيلول الأسود في الأردن عام 1970م. ظهر التناقض بين المقاومة كحركة شعبية والنظام السياسي كدولة مستقلة تفرض سيادتها على مجموع أراضيها. وهو التناقض الذي ضحى عبد الناصر بحياته من أجل حله والتخلص منه في نفس الشهر عندما أراق العربي دم العربي.
ثم وقع تناقض آخر بعد إنشاء السلطة الفلسطينية إثر اتفاق مدريد وأوسلو بين فصائل المقاومة والسلطة الجديدة، بين الثورة والدولة، وكلاهما شرعيان، ثم وقع التناقض بين أهم فصيلين للمقاومة؛ فتح وحماس. أراق فيها الفلسطيني دم الفلسطيني، وما زال الوضع متفجرا. وتسيل الدماء بعد أن تفشل محاولات إيقاف النزيف في مكة والقاهرة.
وحاول البعض إيقاع التناقض بين حزب الله والدولة اللبنانية، حرب تموز (يوليو) العام الماضي؛ فقد دمرت لبنان بسبب خروج المقاومة على شرعية الدولة، حربها وسلامها ومبادرتها واستقلالها، ولم يشفع لها رصيدها السابق في تحرير الجنوب، ثم يقع تناقض ثان الآن بين فتح الإسلام والجيش اللبناني الذي ظهر بعد طول صمت، وأراق العربي دم العربي من أجل استئصال المقاومة بالرغم من أخطاء بعض عناصرها، كأحد مراحل تصفية المقاومة في لبنان، مرة في الشمال ومرة في الجنوب، ومرة في الشرق، في البقاع وغلق الحدود مع الشقيقة سورية.
وبصرف النظر عن المقاومة في لبنان يقع تناقض أشمل داخل لبنان بين الاستقلال الوطني والتبعية للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وينزل الفريقان إلى الشارع للاعتصام وللاصطدام، فيسيل الدم اللبناني بيد اللبناني، وتشل الحياة السياسية؛ فريق ضد المحكمة الدولية احتراما لسيادة لبنان، وآخر مع المحكمة الدولية لإدانة سورية كمقدمة للهجوم عليها وتصفية نظامها، الذي ما زال يرفض المخطط الإسرائيلي الأمريكي لتصفية مقاومته؛ فسورية هي الجسر بين إيران ولبنان؛ فقد نجح التهديد الأمريكي بإخراج القوات السورية من لبنان، وما زال التهديد موجها إلى سورية حتى يقل تأثير إيران في الوطن العربي، سورية والعراق ولبنان؛ فسورية راعية الإرهاب في لبنان، وإيران مورد السلاح الرئيسي إلى المقاومة في جنوب لبنان.
Неизвестная страница