في سنة 1934 عمد الدكتور ف. دونيار إلى 1300 مريض بمرض القلب ومرض الديابيطس؛ أي: البول السكري، وأيضا - وهنا المفارقة - بكسر العظام؛ فإن من البعيد على أي إنسان أن يقول إلى ذراعه كسرت أو ضلوعه تهشمت أو قدمه رضت لأسباب نفسية، ولكن الدكتور ف. دونيار وجد هو ومعاونوه أن نحو 80 في المائة من هذه الحالات؛ أي: ألف حالة تقريبا من 1300 حالة تعود في هذه الأمراض العضوية بما فيها الكسر العظمي إلى أسباب نفسية.
ونحن نسلم هذه الأيام بأن كثيرا من حالات الديابيطس يعود إلى القلق والانزعاج، وأن الهموم تفتت القلب والشرايين، ولكن كيف تؤثر النفس في تكسير عظامنا؟
اعتبر الخادمة الغاضبة التي تكسر الأطباق، وقد تنفث غضبها في كانون البترول فينفث هو غضبه فيها ويحرقها، واعتبر سائق الأتومبيل يسير مغيظا لسبب مالي أو عائلي، فيعمد إلى مصادمة المارة وكأنه يسبهم سبا عمليا، واعتبر العامل أمام الآلة التي تدور بعنايته فيهمل هذه العناية لأن قلقا ثقيلا يربك ذهنه فلا يكون بعد ذلك سوى تهشيم ذراعه أو قدمه.
ففي كل هذه الحالات نجد نفسا مرهقة ضائقة بالدنيا قلقة لا تستقر على تفكير متزن.
وأكاد أقول لهذا السبب: إن صداع الرأس يجب على الدوام أن يسبقه صداع القلب؛ أي إن هناك عواطف سيئة كالغضب أو الحسد أو الخوف أو الشك، تحدث في أجسامنا أمراضا سيئة.
وكثير من الأغنياء والمتوسطين لا ينقصهم المسكن الصحي أو الغذاء الحسن، ولكن تنقصهم الفلسفة الحسنة؛ لأنهم يتطوحون في أطماعهم، ويتورطون في مباريات اجتماعية أو ثرائية ترهقهم، وتجعلهم على الدوام عرضة للقلق والأرق، يجترون همومهم في الليل والنهار، ويتشاءمون بالمستقبل حتى تنتهي حالتهم النفسية هذه إلى أمراض جسمية حقيقية.
وأمراض الجسم التي تعود إلى أسباب نفسية تتحيز أولا، أو أكثر ما تتحيز، الأمعاء والمعدة، فالقرحة المعدية سريعة الحدوث عقب القلق والخوف، والبراز المخاطي الدموي كذلك يسرع إلينا من الصدمة النفسية، والاضطراب المعوي - بين الإمساك والإسهال - يعود كذلك في أغلب الحالات إلى قلق نفسي، ثم بعد ذلك ارتفاع الضغط الدموي، وكذلك لغط القلب، وجميع هذه الحالات تتناوبنا من وقت لآخر، وقد تزول بعد أيام أو أسابيع؛ فإذا كان القلق دائما والخوف من المستقبل ماثلا فإنها تدوم وتتفاقم، وقبل أن يعالج المريض جسمه بالعقاقير يجب أن يعالج نفسه، وهو - بمحض الوقوف على علته وإنها نفسية ناشئة من الخوف والقلق - قد يشفى؛ لأنه يتعقل العلة فيتسلط على عواطفه ويمنعها من السيطرة على جسمه.
ولأن العقل يؤثر في الجسم عن طريق العواطف، فكر بعض السيكلوجيين في البحث عن الجريمة بإيجاد آلة تقيس النبض ودقات القلب من حيث انتظامه وكذلك التنفس وضغط الدم؛ فإن جميع هذه الأعراض تظهر وقت الخوف، مثلا؛ فإذا قلنا لأحد المتهمين بسرقة ساعة ذهبية بسلسلة من الذهب كلمة ساعة؛ فإن هذه الكلمة تستدعي معاني أخرى كثيرة؛ لأنها تربط بعاطفة معينة ما؛ فالارتباط هنا عاطفي مثل الانعكاسات المكيفة.
فإذا كان هذا المتهم لم يسرق الساعة وطلبنا منه أن يذكر كلمات أخرى ترد إلى ذهنه، فإنه سيذكر الثمن أو الدكان أو أي شيء آخر، وخواطره ترد بلا توقف ويبقى نبضه وضغطه وقلبه في أحوالها الطبيعية.
ولكن إذا كان هذا المتهم هو السارق، فإنه ربما يقف فجأة عن الكلام ويطول وقوفه؛ لأنه يحب أن يتجنب الخواطر التي تثير الريبة، وهذا التجنب نفسه يدل على الريبة، ثم ما يخفيه هو بلسانه يدل عليه حينئذ نبضه وضغطه وقلبه؛ لأن الخوف قد أثارها جميعا، وإذا استسلم لخواطره فإنها لارتباطها ستدل على الجريمة، كما لو كانت كل كلمة حلقة في سلسلة متصلة.
Неизвестная страница