Мой разум и твой разум

Салама Муса d. 1377 AH
115

Мой разум и твой разум

عقلي وعقلك

Жанры

ولكنا عند التحقيق نجد أنهم أولا يختلفون في كفاياتهم الوراثية كما يعرف أي إنسان قد درس قوانين مندل في الوراثة، ثم ليس الوسط واحدا لا يختلف بينهم؛ فإن الطفل الأكبر؛ أي: البكر يجد من التدليل ما لا يجده الثاني أو الثالث؛ لأن الأول ينفرد بعناية الأبوين وحبهما، وهو يصادف قبل ميلاده شوقا إليه من أبويه لا يصادف مثله سائر إخوته، والأغلب أن تدليله يؤدي إلى فساده في المستقبل، حتى إن الأوروبيين يؤلفون الآن الكتب في الأصول التي يجب أن تتبع في تربية «الابن البكر» خاصة.

ثم يختلف الأطفال أيضا من حيث إن أحدهم قد يكون وسيما والآخر دميما، فيحب الأول ويكره الثاني، على الرغم من المحاولة النزيهة من الأبوين لمعاملتهما بالسواء، وقد تكون هناك طفلة وحيدة بين أربعة أطفال ذكور فتحب أيضا لأنها وحيدة، وقد يعامل الابن الأصغر بالتدليل الذي كان يعامل به الابن الأكبر، ثم قد يموت الأب أو الأم فيعيش بعض الأطفال يتيما مع أمه فقط أو مع أبيه فقط، أو مع زوجة الأب أو زوج الأم، وفي كل هذه الحالات يتغير الوسط ويختلف، بين طفل وآخر من الإخوة، وتتغير الأخلاق وتختلف أيضا، وخاصة في السنين الأربع أو الخمس الأولى من العمر.

وقد يدلل أحد الأطفال لأن أبويه يقصران عنايتهما عليه لأنه وحيد، ثم يأتي آخر أجمل منه أو مثله، فيتزحزح الأول عن مكانه بعد أن يكون قد اتخذ أسلوبا قد تعين له بسابق تدليل أبويه له، وهو يطالب عندئذ من أبويه بأن يتغير ولكنه لا يستطيع، وعندئذ يصطدم بأبويه وبأخيه الجديد، وهو يقاوم بأساليب الأطفال؛ أي: يعاند أو يشاغب أو يمرض، أو حتى يبول في فراشه كي يجذب أمه إليه بعد أن أهملته والتفتت إلى أخيه الآخر، ثم ترسخ هذه العادات فيه عندما يشب؛ لأنه يحس أنه مظلوم، وأنه لا يجد العناية التي يستحقها من الدنيا، كما لم يجدها من أبويه؛ لأنه يعامل المجتمع كما كان يعامل أبويه.

وأحيانا تكره الأم بعض أبنائها أو بناتها؛ لأن الطفل قد يأتي وهو غير مطلوب حين لا تجدي الموانع للحمل، أو حين تكون قد أهملت الأم في اتخاذها؛ فالطفل الجديد عبء اقتصادي مكروه، أو هو قد يكون دميما، أو هو قد يجد نفسه منذ السنة الأولى مع زوجة الأب الغريبة؛ لأن أمه ماتت أو طلقت، وفي هذه الحالات يكره الطفل - بدرجات مختلفة - ممن حوله، بل أحيانا يضطهد، ويقاوم هو هذه الكراهة وهذا الاضطهاد بأساليب الأطفال أيضا، فيعمد إلى المكر الصغير أو الإضراب عن الدرس أو الاحتجاز؛ لأنه يجد الانفراد أروح لنفسه من الاختلاط بوسط كله كراهة، ثم ترسخ هذه العادات فيه عندما يشب، وأحيانا يؤدي الاضطهاد والقسوة إلى أن ينكسر الطفل ويرضى بالهزيمة والضعة، ويعيش على هذا الأسلوب.

وهناك شيء نستطيع أن نسميه الفراسة السيكلوجية، ذلك أننا بتأمل الرجل في الخمسين من عمره نعرف هل كان مدللا أم مضطهدا في طفولته، وهل عاش مع زوجة أب تكرهه أم مع أم تحبه وترعاه، كما أن من السهل أن تعلل الشكاسة أو الوقاحة، بل أحيانا البراعة والتنبه والنشاط بمركب نقص، وكثير من الناس يسهل عليهم تعليل بعض الأخلاق بنوع التربية.

ونعني بالتربية هنا جماع ما يحصل عليه الطفل من قدوة في الأبوين ومن إرشاد بالإغراء أو الزجر، ومن تدريب على اتخاذ سلوك معين، ونعني السلوك النفسي قبل السلوك الاجتماعي؛ لأن الأول أثبت؛ إذ هو يحدث للنفس ما يضارع أو يقارب الغرائز الطبيعية كالتفاؤل أو التشاؤم، والشجاعة أو الجبن، وكراهة بعض الأطعمة، والعقائد الدينية، فقد وجد مثلا بالتدريب أن الفأر الذي يعود الانتصار على خصمه في القتال تثبت فيه عادة الشجاعة فيجابه خصومه من الفئران مهما كانت قوتها، وكذلك العكس ؛ أي إن الفأر الذي يدرب على الهزيمة تثبت فيه عادة الجبن فلا يقوى على مجابهة خصومه حتى ولو كانت دونه جرما وقوة، فللتدريب؛ أي: تمرين الطفل على عادات معينة، عادات الطاقة بالاتجاه، وعادات الحركة بالعمل، قيمة لا تنكر في تكوين أخلاقه، بل سلوكه النفسي؛ لذلك يجب في التربية ألا ننسى أن نعوده النجاح في الشئون الصغيرة.

وهنا نذكر العقوبة وقيمتها للطفل، فهل يجوز لنا أن نضرب وننهر؟

الصحيح الذي تثبته السيكلوجية أن الطفل ينزجر إذا عوقب؛ أي إننا نستطيع أن نكفه ونمنعه عن عمل شيء بالعقوبة، ولكنا لا نستطيع أن نغريه بالعقوبة على أن يؤدي عملا؛ ومن هنا تجدي العقوبة في منع الطفل من ضرب إخوته، أو من اللعب في التراب مثلا، ولكنها لا تجدي في حمله على المذاكرة.

ثم اذكر مركب النقص في الأطفال؛ فإنه إذا كان في الطفل بارزا كحدبة الظهر أو العور في العين أو الساق القصيرة أو الشوه الفاضح، احتاج إلى عناية كبيرة، ومن الحسن أن يستشار خبير سيكلوجي في هذا النقص، أما إذا كان دون ذلك فلا يستحق الالتفات.

ومن الحسن أن تتعدد الاهتمامات عند الطفل، وأن تكون له هواية أو هوايات يتعلق بها وينفق عليها من فراغه ويرضى أبوه بأن ينفق عليها أيضا من ماله؛ فإن في هذا تفتيقا لكفاياته وتوسيعا لآفاقه النفسية والذهنية، وهو عندما يبلغ المراهقة ويواجه الضغط الجنسي، مع الحرمان الذي يطالبه به المجتمع، يستطيع أن يجد في هذه الهوايات والاهتمامات ما يخفف عنه هذا الضغط، فيجتاز هذه الفترة الخطرة بسلام.

Неизвестная страница