Мой разум и твой разум

Салама Муса d. 1377 AH
114

Мой разум и твой разум

عقلي وعقلك

Жанры

وقد يشقى أحدنا بعاداته النفسية، عادات الحركة وعادات الطاقة؛ لأنه تسلمها من عائلته في طفولته ورسخت فيه، ثم عاش في مجتمع يكرهها، أو يجعل العيش بها شاقا أو مضرا مثل أولئك الآلاف من الأمهات اللاتي يعمدن إلى الزار كي يشفين أبناءهن من أمراض تحتاج إلى البنسلين أو السولفا نيلاميد أو الكينين، ذلك لأن عقيدتهن قد صارت لها قوة العاطفة، وهي تصدها عن الوجدان الطبي العصري.

والعادات النفسية جميعها تنحدر إلى الكامنة وتصير لها قوة القسر، وتعين لنا أسلوب الحياة بالعمل والعقيدة ، وهي كذلك في الأمة كما هي في الفرد، وكثيرا ما تتعس الأمة وتشقى مر الشقاء؛ لأنها ورثت عادات نفسية معينة لا تعرف كيف تتخلص منها؛ لأنها ترتبط بعواطفها، كما ترتبط الكراهة لأكل الجبن بعاطفة الطفل الذي تعلم هذه الكراهة من أمه، وتحتاج الأمم إلى الكثير جدا من المناقشة المنطقية والنظر الموضوعي كي تترك هذه العادات النفسية، وحتى هذا لا ينجح في معظم الأحوال؛ ولذلك رأينا كمال أتاتورك يعمد إلى العنف والبطش كي يغير النفس التركية ويحيلها من نفس شرقية إلى نفس غربية.

للأمم - كما للأفراد - مركبات نفسية لها قوة القسر، وهذه المركبات هي عادات نفسية صارت لها صفة عاطفية؛ ولذلك تحس مرارة ومضضا عندما يدعونا عبد العزيز فهمي مثلا إلى اتخاذ الخط اللاتيني، كما سبق أن أحسسنا مرارة ومضضا عندما دعانا قاسم أمين إلى اتخاذ السفور وجحد الحجاب.

وواضح أن الأسلوب النفسي الانطوائي يختلف من الأسلوب النفسي الانبساطي، وأن هذا الفرق يعود إلى الميزات الوراثية لكل منهما، ولكن حتى هنا نجد أن للأسلوب المكتسب الذي ينشأ عليه الطفل أثرا في المزاج الموروث، فقد يعتدل الانطوائي بعض الشيء ويتجه نحو العادات الاجتماعية إذا كان قد عاش في عائلة انبساطية، ويتضح العكس كذلك في الطفل الانبساطي، وكذلك قد يتألف مركب في نفس الطفل ويعين له أهدافا ووسائل ويتكون له منها أسلوب نفسي لا يعرف كيف يتخلص منه في المستقبل، ونكاد نقول: إن الأسلوب النفسي كله يتألف في الكامنة، ويرسخ ويتخذ صورة العواطف، ولذلك يشق علينا تغييره؛ ولذلك أيضا يعرف كل منا ويتسم بأسلوب نفسي خاص، حتى إننا - إذا كنا نعرفه بالاختلاط - نكاد نتكهن بسلوكه وتصرفه في أي حادث معين.

انظر إلى الأسلوب النفسي لطفل مدلل قد أحبه أبواه وعمي كلاهما عن مستقبله لفرط الحب، وكان وحيدهما بعد أن كابدا موت من سبقوه وكانوا كثيرين، فلم يكن يشتهي شيئا إلا ويجده؛ ولذلك لم يجد الفرصة لضبط عواطفه، وأرسل إلى المكتب كي يتعلم فضربه ذات مرة المعلم، فلما وصل إلى منزله بكى واستبكى أمه التي أرسلت إلى المعلم وأغرته على الجثو، وجاءت بابنها كي يضرب معلمه وينتقم، ولما انتهى الطفل من تنفيذ العقوبة من معلمه كافأت هذا بأن نقدته جنيها للتعويض، وقد عرفت هذا الشخص وهو في السبعين من عمره وهو يكره الجبن؛ لأنه كان يكرهه في طفولته، ولم يستطع استعمال وجدانه في الانتفاع بعد ذلك بهذا الغذاء، وكان يعيش مع زوجته كما لو كانت أمه التي تدلله، وبقي إلى سن السبعين وهو طفل كبير لا يحسن قراءة جريدة ولا يدري بتطورات العالم، ولازمه أسلوب الطفولة، حتى دعي مرة إلى غداء عند أجنبي، فصرخ على المائدة بأنه لا يحب هذا اللون المعروض، وكان أقصى طموحه أن يلبس ملابس فاخرة باهرة لأنه لا يزال طفلا.

فهذا طفل مدلل لازمه أسلوب التدليل الذي تعلمه في طفولته طوال حياته، وانظر الآن إلى طفل آخر مضطهد؛ فإن هذا المسكين ماتت أمه فتزوج أبوه غيرها التي قست عليه وحرمته ما يحتاج إليه الأطفال أو يشتهونه، وأدت هذه المعاملة إلى أن يستنبط لنفسه أسلوبا للدفاع والهجوم كان يتألف من الخبث والوقيعة والغدر والخيانة إلى التبصر والتمهر، فكان باهرا في المدارس حاذقا في كسب حقوقه، ولكنه كان إلى جنب هذا يفسد بين إخوانه حتى نبز باسم «المسيو فسادة» وهو بعد تلميذ بالمدرسة الابتدائية، وكثيرا ما أدى إفساده إلى إيذاء زملائه حتى تجنبوه، ولازمه هذا الأسلوب طوال حياته، حتى غش أباه وحمله على تمييزه في الميراث على سائر إخوته، وقضى هذا الأسلوب؛ أي: الخبث والغش، مع أبنائه فهجروه وتركوه وحيدا فمات وحيدا.

هذان الشخصان أحدهما مدلل والآخر مضطهد، هما أسوأ الأمثلة للأخلاق السيئة التي تفشو في أوساطنا المتمدنة، ولهذا السبب يجب أن نقول: إن الآباء ليسوا على الدوام خير الأشخاص الذين يمكن أن يوكل إليهم تربية أبنائهم في السنين الخمس الأولى من العمر؛ لأن تربيتهم لهم هي عدوان على نفوسهم وتعويج لأخلاقهم.

وقد يؤدي التدليل للطفل إلى أن يقع في جنون الشيزوفرينيا؛ أي إنه يطلق الدنيا ويعتزلها قانعا بأحلامه التي تعيد إليه راحة التدليل، وقد يؤدي الاضطهاد للطفل إلى الإجرام؛ أي إنه يعامل الناس كما لو كان ينتقم منهم.

تربية الأطفال

عندما نجد في عائلة واحدة خمسة أو ستة أطفال يتفاوتون في الذكاء أو يختلفون في المزاج، نبدي استغرابنا لاختلافهم هذا، مع أنهم إخوة يعيشون في بيت واحد؛ أي: وسط واحد ولهم كفايات وراثية واحدة.

Неизвестная страница