الأسلوب النفسي
لكل منا أسلوبه النفسي الذي يعين سلوكه وتصرفه، وهذا الأسلوب نكتسبه أو نكتسب نحو 90 في المائة منه أيام الطفولة؛ أي: قبل سن الخامسة أو السادسة، وقلما نستطيع التغيير بعد ذلك، إلا إذا برز وجداننا وأوضح لنا الأغلاط التي وقعت بنا أيام طفولتنا وحملتنا على إيجاد الإرادة للتغيير، وهذا الأسلوب يرسخ في الطفولة لأننا - كما سبق أن كررنا - نتقبل الدنيا ممن حولنا، ونقبل المقاييس والقيم الأخلاقية بلا نقد أو رفض، وهذه المقاييس والقيم تنحدر إلى الكامنة (العقل الكامن) وتستقر كأنها العقائد التي استحالت إلى عواطف؛ أي إن لها قوة القسر؛ فإذا كان أحدنا قد تعلم من أمه بالقدوة أو الأمر أو النصيحة أو الإرشاد (والقدوة أهمها كلها) إن الجبن أو السمك طعام سيئ؛ فإنه يعيش سبعين أو تسعين سنة وهو يكره الجبن أو السمك؛ لأن هذه العقيدة غرست فيه وهو طفل حين كان يعجز عن المعارضة والانتقاد.
وقس على هذا سائر الاستجابات والرجوع للدنيا والأشخاص في السنوات الخمس الأولى؛ فإنه كما ينشأ الطفل وهو يكره الجبن أو السمك، كذلك ينشأ وهو يكره اليهود أو المسيحيين أو المسلمين، ويشمئز من كفرهم اشمئزازا عاطفيا حقيقيا، وكذلك قد ينشأ وهو يطمح إلى أن يكون جزارا أو طبيبا أو لصا أو شرطيا، كما قد ينشأ على أسلوب الصراحة أو المواربة، يهجم على المشكلة أو يحاولها، وقد تصير العجلة أو التأني أسلوبه، فيصمت للتفكير أو يثرثر بالبديهة، وقد يتعلم - حتى منذ طفولته - أن يعتمد على وجدانه بدلا من عاطفته؛ لأنه يرى هذا الأسلوب سائدا في البيت، وإن كان هذا بالطبع قليلا جدا.
ونحن نعيش في ممارستنا اليومية بالعادات، ومن شأن العادات أن لها صفة قسرية تشبه صفة العواطف؛ بحيث إذا خالفناها تألمنا أو أحسسنا المضض، وهي تشبه العواطف أيضا من حيث إنها عفوية؛ أي: تسير عفوا بلا مشقة، وقد تكون العادة حركية أو اتجاهية.
وعاداتنا الحركية كثيرة مثل التدخين، أو ركوب البسكليت، أو الإيواء إلى الفراش في ساعة معينة، أو النوم بعد الظهر، أو المشي السوي أو الشاذ (بغمزة معينة في القدم أو الكتف أو نحو ذلك)، ولا نستطيع تغيير هذه العادات، حتى إن راكب البسكليت لا يعرف كيف يخطئ في سيره بها.
وهناك عادات اتجاهية تعين لنا عقائدنا، مثل نوع الطموح الذي نهدف إليه، أو الإيمان الذي نؤمن به، أو سائر عقائدنا الاجتماعية؛ كالتعصب والتسامح والمروءة والاستقلال والتواكل، إلخ.
وممارساتنا اليومية هي عادات في الحركة.
وعقائدنا واتجاهاتنا هي عادات في الطاقة.
وكثيرا ما تنقلب عادة الطاقة إلى عادة الحركة؛ فإن التعصب طاقة، ولكنه كثيرا ما انقلب إلى قتل اليهود فصار حركة، والوطنية عادة في الطاقة وقد انقلب في أيامنا إلى عادة في الحركة بالحرب الكبرى.
وكلنا - ما دمنا نعيش في وسط اجتماعي واحد - نتعود العادات المتقاربة، سواء أكانت بالعقيدة والطاقة؛ أي: الاتجاه النفسي، أم بالعمل والممارسة؛ أي: بالحركة والاتجاه الجسمي، ومن هنا ينشأ الأسلوب النفسي الذي نعيش به كأمة، ولكن مع هذا التقارب، لكل منا اختلافاته التي تميزه، فهو أمين أو غادر، أناني أو اجتماعي، مروئي أو استغلالي، شجاع أو جبان، طموح أو قنوع، إلخ.
Неизвестная страница