وهتك حجابه وَحصل مَعَه فِي قَعْر بَيته وَقَالَ لَهُ أجب الْملك فَقَالَ وَالله لقد جَاءَنِي كِتَابه يَأْمُرنِي فِيهِ بأعمال أعملها وأشغال انْظُر لَهُ فِيهَا وَمَا قضيت مِنْهَا شغلا وَلَا عملت مِنْهَا حَتَّى الْآن شَيْئا
فَقَالَ لَهُ الرَّسُول وَيلك وَمَا الَّذِي أبطأك عَنْهَا وَمَا الَّذِي حَبسك عَن الِاشْتِغَال بهَا وَالنَّظَر فِيهَا فَقَالَ لم أكن أَظن أَنَّك تَأتِينِي فِي هَذَا الْوَقْت
فَقَالَ لَهُ وَيلك وَمن أَيْن كَانَ لَك هَذَا الظَّن وَمن أخْبرك بِهِ وَمن أعلمك بِأَنِّي لَا آتِيك إِلَّا فِي الْوَقْت الَّذِي تظن قَالَ ظَنَنْت وطمعت وسولت لي نَفسِي ومنتني وخدعني الشَّيْطَان وغرني
فَقَالَ لَهُ ألم يحذرك الْملك فِي كِتَابه مِنْهُمَا وأمرك أَلا تسمع لَهما قَالَ بلَى وَالله لقد فعل وَلَقَد جَاءَنِي هَذَا فِي كِتَابه وَلَكِنِّي خدعت فانخدعت وفتنت فافتتنت وارتبت فِي وَقت مجيئك فتربصت
فَقَالَ لَهُ وَيلك غَرَّك الْغرُور وخدعك المخادع أجب الْملك لَا أم لَك
قَالَ أنْشدك بِحَق الْملك إِلَّا مَا تَرَكتنِي حَتَّى أنظر فِيمَا أَمرنِي بِهِ أَو فِي بعضه أَو فِيمَا تيَسّر مِنْهُ حَتَّى لَا أقدم عَلَيْهِ فِي جملَة المفرطين وعصابة الْمُقَصِّرِينَ
وَهَذَا مَال قد كنت جمعته لنَفْسي وأعددته لمؤنة زماني فاتركني حَتَّى آخذ مِنْهُ زادا أتزوده ودابة أركبها فَإِن الطَّرِيق شاقة والمفازة صعبة والعقبة كؤود والمنزل لَيْسَ فِيهِ مَاء
قَالَ أتركك حَتَّى أكون عَاصِيا مثلك ثمَّ دَفعه دفْعَة أَلْقَاهُ على وَجهه ثمَّ جمع يَدَيْهِ إِلَى عُنُقه وَانْطَلق بِهِ يجره من خَلفه خزيان ندمان جوعان عطشان وَهُوَ ينشد بِلِسَان الْحَال
لَا كحزني إِذا لقِيت حَزينًا ... جلّ خطبي فديتكم أَن يهونا
ضَاقَ صَدْرِي عَن بعضه واحتمالي ... فاسلكوا بِي حَيْثُ ألْقى المنونا
1 / 76