وَإِنَّمَا سنة الله تَعَالَى الْجَارِيَة أَن يقْصد الْعُضْو الْمَرِيض بدوائه والنائم بِمَا يوقظ بِهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون فِي إيقاظ هَذَا النَّائِم حَرَكَة عَظِيمَة ومعالجة كَثِيرَة تتعدى إِلَى ذَلِك النَّائِم الآخر فيستيقظ فَيكون إِذن كَأَنَّهُ قَصده بالإيقاظ مَعَ صَاحبه وَإِمَّا إِن كَانَت حركته لَا تتعداه فَإِن النَّائِم الآخر يبْقى بِحَالهِ وَفِي غَمَرَات نَومه حَتَّى يوقظه الَّذِي أنامه ويحركه الَّذِي أسْكنهُ ﵎
وَإِنَّمَا مثل الذّكر الَّذِي يعقب التَّنْبِيه وَيكون لَهُ مَعَه الْبُرْء من السقم والإيقاظ من النّوم أَن تحضر الْمَذْكُور قَلْبك وَتجمع لَهُ ذهنك وتجعله نصب عَيْنَيْك ومثالا حَاضرا بَين يَديك وَأَن تنظر إِلَى كل مَا تحبه من الدُّنْيَا من ولد أَو أهل أَو جاه أَو غير ذَلِك فتعلم أَنه لَا بُد لَك من مُفَارقَته إِمَّا فِي الْحَيَاة أَو فِي الْمَمَات سنة الله الْجَارِيَة وَحكمه المطرد
وتشعر هَذَا قَلْبك وتفرغ لَهُ نَفسك فتمنعها بذلك عَن الْميل إِلَى ذَلِك المحبوب والتعلق بِهِ والهلكة بِسَبَبِهِ
كَمَا قيل يَا ابْن آدم لَا تعلق قَلْبك بِمَا يَأْخُذهُ مِنْك الْفَوْت أَو يأخذك أَنْت عَنهُ الْمَوْت
وَنظر رجل إِلَى بني لَهُ صَغِير يمشي بَين يَدَيْهِ فأعجبه حسنه وألهته حركته فَقَالَ يَا بني وَلَوْلَا الْمَوْت لعلقت قلبِي بك ولأكثرت من حبي لَك
وَنظر ابْن مُطِيع يَوْمًا إِلَى دَاره فأعجبه حسنها فَبكى ثمَّ قَالَ وَالله لَوْلَا الْمَوْت لَكُنْت بك مَسْرُورا ولوا مَا أصير إِلَيْهِ من ضيق الْقَبْر لقرت عَيْني بك ثمَّ بَكَى حَتَّى ارْتَفع بكاؤه وَعلا نحيبه
وَاعْلَم أَن طول الأمل دَاء عضال وَمرض مزمن وَمَتى تمكن من الْقلب فسد مزاجه وَاشْتَدَّ علاجه وَلم يُفَارِقهُ دَاء وَلَا نجع فِيهِ دَوَاء بل أعيا الْأَطِبَّاء ويئس من برئه الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء
وَقد روى فِي طول الأمل وذمه وَفِي التحريض على الْعَمَل وَالتَّرْغِيب فِيهِ مَا فِي بعضه الْكِفَايَة وَمَا بِأَقَلّ مِنْهُ يُوصل إِلَى الْمَقْصُود بعون الله تَعَالَى
قَالَ الله تَعَالَى ﴿ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فَسَوف يعلمُونَ﴾
1 / 61