ياتا الَّتِي أعجبها عطفها ... قبرك فِي الأقبر محفور
وكلنَا ذَاك ولكننا ... كل بهذي الدَّار مسحور
فَأَنت إِذا تذكرت بِهَذِهِ الْأَذْكَار وأطلت لَهَا الترداد والتكرار وأعملت فِيهَا النّظر وَالِاعْتِبَار وَرَأَيْت أَنَّك وَاحِد من الْمَذْكُورين ملك أَو غير ذَلِك من أَصْنَاف النَّاس وَرَأَيْت خلقك كخلقهم وصفتك كصفتهم وَأَنه لَا بُد ان يصيبك من الْمَوْت مَا أَصَابَهُم وَينزل بك مِنْهُ مَا نزل بهم وَأَنت تشاهد بِهَذِهِ الدَّار أَنْوَاع المصيبات وأجناس البليات وضروبا من المهلكات وَأَن الْمَوْت وَاحِد وأسبابه كَثِيرَة
فَمن رجل بَاشر الكفاح فتخللته الرماح وتمكنت من رقبته الصفاح وَرُبمَا كَانَ هَذَا أسهلهم مماتا وَأكْرمهمْ وَفَاة
وثان قد طرح فِي أَيدي أعدائه وَأسلم لبلائه فقطعوه إربا إربا وفصلوه عضوا عضوا
وثالث ردوا مشارع الْعقَاب إِلَيْهِ وَصبُّوا الْعَذَاب عَلَيْهِ وَمَا مَاتَ حَتَّى كَانَ الْمَوْت أحب عَائِد إِلَيْهِ وَأكْرم قادم يقدم عَلَيْهِ
ورابع قد أَمْسَى أكيلة حوت فِي ظلمات الْبحار
وخامس فريسة أَسد فِي موحشات القفار
إِلَى غير ذَلِك من الْأَمْرَاض الصعبة والآلام الشاقة وَمَا تظنه وَمَا لَا تظنه حَتَّى إِن الرجل ليغص بِالطَّعَامِ ويشرق بِالشرابِ فَيكون فِي ذَلِك حتفه وَتذهب فِيهِ نَفسه
كَمَا قَالَ الْقَائِل
وَمَا طَرِيق الْمَوْت فِي ذَا الورى ... وَاحِدَة بل جمة لاجبه
وَرُبمَا لذ لامريء شربة ... فَانْقَلَبت وَهِي لَهُ شَاربه
1 / 58