ويوجد للدين نوع ثالث أكثر غرابة؛ فهو يمنح الناس اشتراعين ورئيسين ووطنين، ويجعلهم خاضعين لواجبات متناقضة، ويحول دون كونهم عابدين ومواطنين معا، شأن دين اللاما ودين اليابان، والنصرانية الرومانية، وهي ما يمكن أن تسمى دين الكاهن، وينشأ عن هذا ضرب من الشرائع المختلطة النافرة التي لا اسم لها مطلقا.
وإذا ما نظر إلى هذه الأنواع الثلاثة للأديان من الناحية السياسية وجدت معايب لجميعها، ويبلغ الدين الثالث من السوء الواضح ما يعد من ضياع الوقت معه أن يتلهى بإثباته، فلا قيمة لكل ما يقضي على الوحدة الاجتماعية، ولا تساوي شيئا جميع النظم التي تجعل الإنسان مناقضا لنفسه.
ويكون الدين الثاني صالحا من حيث كونه يجمع بين العبادة الإلهية وحب القوانين، وهو، إذ يجعل من الوطن موضع عبادة المواطنين، يعلمهم أن خدمة الدولة تعني خدمة الإله الحافظ، وهذا ضرب من الحكومة الإلهية التي لا يمكن أن يكون فيها حبر غير الأمير، ولا كهنة غير الحكام، وهنالك يكون موت الإنسان في سبيل بلده شهادة، ويكون انتهاك القوانين إلحادا، ويكون تعريض المذنب للعنة العامة هدفا لغضب الآلهة، (فكن صالحا).
بيد أنه سيئ من حيث قيامه على الخطأ والكذب فيخادع الناس ويجعلهم وابصات
5
سمع وخرافيين، ويغرق عبادة الألوهية الصحيحة في طقوس فارغة، وهو يكون سيئا أيضا عندما يصبح مانعا لسواه باغيا فيجعل الشعب سفاكا متعصبا لا يتنفس بغير الذبح والقتل، ويرى أنه يقوم بعمل مقدس بقتله كل من لا يؤمن بآلهته، وهذا ما يضع مثل هذا الشعب في حال طبيعية للحرب تجاه جميع الشعوب الأخرى فيجعل سلامته الخاصة في خطر عظيم.
ولذلك لا يبقى غير دين الإنسان أو النصرانية، لا نصرانية اليوم، بل نصرانية الإنجيل التي تختلف عنها اختلافا تاما، فبهذا الدين المقدس الرفيع الصحيح يعترف الناس، الذين هم أبناء رب واحد، بأنهم إخوة جميعا، ولا ينحل المجتمع الذي يوحد بينهم حتى القتل.
ولكن بما أنه لا يوجد لهذا الدين أي صلة خاصة بالهيئة السياسية فإنه يترك للقوانين ما تستخرجه من نفسها من قوة، وذلك من غير إضافة شيء إليها، ومن ثم تظل إحدى روابط المجتمع الخاص العظيمة بلا عمل، ثم يبعد ذلك الدين من ربط أفئدة المواطنين بالدولة، وهو يفصلها عنها كما يفصلها عن جميع أمور الأرض، فلا أعرف ما هو أكثر مخالفة منه للروح الاجتماعية.
ويقال لنا: إن شعبا مؤلفا من نصارى صادقين يؤلف أكمل مجتمع يمكن تصوره، ولا أجد في هذا الافتراض غير صعوبة كبيرة، وذلك أن مجتمعا مؤلفا من نصارى يعود غير مجتمع من الناس.
حتى إنني أقول: إن هذا المجتمع المفترض لا يكون عند كماله أقوى المجتمعات ولا أكثرها دواما، فبكماله يفقد الارتباط، ويكون عيبه الهدام في نفس كماله.
Неизвестная страница