فإذا كانت العقيدة موضوع امتحان ودراسة في نظر العلم فهي في ميدان الأدب موضوع تجربة وتصوير.
وتنتهي وظيفة العالم حين يقول: علمي يقبل هذه العقيدة أو يرفضها، فإذا تحدث بعد ذلك عن العقيدة كما يشعر بها أو يفكر فيها فهو والأدب سواء في هذا الحق: حق الشعور والتفكير. •••
ومن أدباء القرن العشرين في الغرب من نروي كلامه عن العقيدة لأنه صاحب رأي فيها.
ومنهم من نروي كلامه لأنه صورة معبرة تدل على مجرى الشعور بين أمثاله، وكلهم يضيفون إلى صفتهم الأدبية صفة المطلع المستفيد من علوم عصره ومباحث علمائه، فهم مثال صادق لزمانهم على كلتا الحالتين. •••
في مقدمة الأدباء العالميين الممثلين لزمانهم في القرن العشرين (برنارد شو) الكاتب الأيرلندي العالمي الذي عاش من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، وصاحب التطور في مذهب التطور نفسه خلال هذه المدة، فخرج من تجاربه ومطالعاته بمذهبه عن القوة الحيوية، وهي في مذهبه تحل محل الإله في الأديان.
ومذهبه كما لخصناه في رسالتنا عنه أن لا يؤمن بالمادية المطلقة ولا يقول بأن الوجود كله مادة مسيطرة على الفكر والحياة.
بل يؤمن بقوة غير مادية يسميها القوة الحيوية ويقول إنها تتطور بإرادتها، وإن المادة عدو لها في تطورها ، وإن ارتقاء هذه القوة في معارج الفكر إنما يأتي من طريق واحد: وهو طريق الخطأ والتصحيح والتكرار والمثابرة، ولا نهاية للارتقاء الذي تبلغه الحياة من هذا الطريق. فإنها تسلكه وتتطلع في كل مرحلة من مراحله إلى القدرة المطلقة والعلم المطلق، وقد تبلغهما في زمن من الأزمان بعد الملايين التي لا تحصى من السنين ... ... وأول خطوة من خطوات التطور عنده أن القوة الحية تلبست بالأجساد المادية لتعمل وتستفيد من معاركة المادة وإملاء إرادتها عليها، فأصبحت القوة الحيوية أفرادا متفرقة بعد أن كانت جملة مجتمعة لا تفرق بين أجزائها.
وظهر الفكر وتقدم من علاج الإرادة الحية للمادة التي تقاومها وتعاديها.
فكل معالجة تتقرر فيها تجربة ثابتة، وكل تجربة ثابتة تجري مجرى العادة، وكل عادة تتجمع مع العادات الأخرى فتهتدي بها الحياة وتتعود التفكير.
ولكن المادة من طبعها أن تعوق الفكر وتصده عن الانطلاق بغير قيد ولا حائل، وينتهي هذا التعويق بتنبيه إرادة الحياة إلى طلب الخلاص من هذه العوائق واعتماد الحياة على الفكر المجرد مستقلا من الأجسام، فلا تزال تطلب وتكرر الطلب، وتخطئ وتصحح الخطأ، وتثابر على الطلب والتصحيح حتى تبلغ ما تريد.
Неизвестная страница