إن الأسباب التي كانت كافية للإنكار قبل ثلاثة قرون أصبحت لا تكفي للإنكار بتلك القوة الواثقة المتهجمة، بل أصبحت لا تكفي لإنكار ما كائنا ما كان سبب الإنكار من العلم المعترف به بين العلماء.
تواضعت دعوى العقل في أوائل القرن التاسع عشر، وتواضعت دعوى العلم في أوائل القرن العشرين، وكاد العلماء أن يتفقوا على أن التفسير والتعليل فوق طاقة العلم ولا سيما تفسير الغايات والأصول، وحسبه من الدعوى أنه يصف ويجمع ويقابل ويعادل، ثم يترك العلل الأولى بعد ذلك لمن يستطيعها، أو يقول إنها حتى اليوم غاية لا تستطاع.
كان من العلماء من يخال أنه قادر على الإثبات، فليس من العلماء اليوم من يزعم أنه قادر على الإنكار بسند من العلم الصحيح.
ومن قال منهم إنه ينكر على سبيل الظن والترجيح، فحكمه في ذلك حكم القائل إنه يؤمن على سبيل الظن والترجيح: كلاهما على مسافة واحدة من دعوى العلم بالتجربة، أو دعوى التعلل بالبرهان.
وبديه أن الشك في الإنكار غير الجزم بالإيمان، فليس من صحة الحكم ولا من صدق النظر أن يقال إن سمة الإيمان غالبة على القرن العشرين أو بينة الأثر فيه، ولكنه صحيح ولا ريب أن يقال إن المنكر في القرن العشرين لا يستطيع أن يستند إلى أسباب من العلم يسلم بها المفكرون، كما كانوا يسلمون بأسباب الإنكار في القرن السابع عشر، أو القرن الذي يليه إلى أوائل هذا القرن الذي نحن فيه. •••
ونحن متتبعون أكبر الأسباب التي اقترنت بمسألة العقيدة منذ القرن السادس عشر، وكان لها شأن قوي في إضعاف العقائد الموروثة على تقدير الباحثين بالإجماع، وقد نرى من تتبعها كيف قويت على إضعاف العقائد التقليدية ثم نرى كيف آل الأمر بها أخيرا حتى فقدت قوتها الأولى على زعزعة الإيمان وإثارة الشكوك، ونرى من أين طرأ عليها الضعف حتى انتقل بعضها من ترجيح التعطيل والإلحاد إلى ترجيح الاعتقاد وإعادة النظر في الموضوع.
هذه الأسباب على الإجمال خمسة ليس في أسباب التعطيل ما هو أقوى منها وأعظم فعلا في عقول المفكرين الأوروبيين، وفي عقول غيرهم ممن نظروا إلى دلالتها مثل نظرتهم، وحكموا بها على الأديان مثل حكمهم. وهم غير قليلين بين المفكرين في مختلف الأقوام.
وهذه الأسباب الخمسة هي:
أولا:
كشف كوبرنيكس لمركز الأرض من المنظومة الشمسية ومن الأجرام السماوية على العموم.
Неизвестная страница