ثم يقصد رجلا تكلم ساعة كاملة عن الإحسان في مجلس كبير، وينظر هذا الخطيب إليه شزرا ويقول له: «لم أتيت إلى هنا؟ ألغرض صالح؟» ويجيب كنديد بقوله متواضعا: «لا معلول بلا علة، وكل متسلسل بحكم الضرورة، منظم على أحسن ما يمكن، وكان لا بد من طردي من عند الآنسة كونيغوند، وكان لا بد من جلدي، ومن طلب خبزي حتى أقدر على كسبه، وما كان هذا كله ليقع على وجه آخر.»
ويقول الخطيب له: «أتعتقد يا صاحبي، أن البابا عدو المسيح؟» ويجيب كنديد بقوله: «لم أسمع بهذا قبل الآن، وسواء أكان البابا هكذا أم لم يكن، فإن القوت يعوزوني.» ويقول الخطيب: «أنت لا تستحق أن تأكل منه، فاذهب أيها الوغد، اذهب أيها المسكين، ولا تدن مني أبدا.»
وتخرج امرأة الخطيب رأسها من النافذة، وتقول - إذ ترى رجلا لا يعتقد أن البابا عدو المسيح: «يا رب! يا غيرة النساء البالغة على الدين.»
ويرى رجل لم يعمد قط - رجل تعميدي صالح، رجل اسمه جاك - سوء ما عومل به أحد إخوانه، قسوة ما عومل به مخلوق ذو رجلين، ذل ما عومل به موجود بلا ريش، إنسان ذو روح، فيأتي به إلى بيته وينظفه، ويعطيه خبزا وجعة، ويقدم إليه فلورينين، ويريد أيضا أن يعلمه العمل في مصانعه الهولندية التي تصنع فيها نسائج فارسية.
ويسجد كنديد أمامه تقريبا ويقول بصوت عال: «أصاب المعلم بنغلوس في قوله لي: إن كل شيء في هذا العالم يسير على أحسن ما يكون، فما لاقيت من كرمك المتناهي كان له من الأثر البالغ في نفسي ما هو أعظم من قسوة ذلك السيد ذي الحلة السوداء، وقسوة السيدة زوجته.»
وبينما كان يتنزه في الغد لاقى سائلا مستورا ببثور، مطفأ العينين، مقرض الأرنبة،
1
معوج الفم، أسود الأسنان، أبح الصوت، وكان هذا المسكين يألم من سعال شديد، فيبصق في كل سعلة سنا.
الفصل الرابع
كيف لاقى كنديد معلمه القديم في الفلسفة: الدكتور بنغلوس وما وقع له
Неизвестная страница