وكان فولتير على رأس المتذمرين، فلما عاد من إنكلترة بث كثيرا من الانتقاد للدين والملكية في رواياته وتواريخه وقاموسه الفلسفي ورسائله، ولم ينفك عن جهاده في هذا السبيل حتى وفاته، وهو لم يحاول بهذا تأسيس نظام سياسي أو إقامة مذهب ديني، بل كان يريد الإصلاح ما استطاع، وإن كان من القائلين بالدين الطبيعي مع إنكار الوحي ، وهو قد عد بهذا هادما للنصرانية عدوا لها. ولا يعني هذا أنه أراد إلغاء الدين، وإنما أراد دينا بلا أسرار ولا رموز، فيقتصر إكليروسه على تعليم الأخلاق.
وعنده أن على الأمير أن يكون من تلاميذ الفلاسفة، فقد قال: «لا نقصد إشعال ثورة كما في زمن لوثر، ولكن نقصد إحداث ثورة في نفوس من يقومون بالحكم.»
ويبلغ فولتير الثالثة والثمانين من سنيه، ويعزم على السفر إلى باريس، بعد أن كان العود إليها حراما عليه في القسم الأخير من عهد لويس الخامس عشر، فلما جلس لويس السادس عشر على العرش مهدت له سبيل دخولها، فقصد باريس وحضر تمثيل روايته «إيرين»، فلاقى في أثناء سفره إلى العاصمة وإقامته بها من الإجلال والتعظيم ما يفوق الوصف.
ويمرض بباريس، ويتوفى بها بعد أن لبث بها ثلاثة أشهر في هذه المرة، وتحظر السلطة على الصحف أن تتكلم عن وفاته، ويرفض الإكليروس أن يدفن في قبر، ويهدد برمي جثمانه في مطرح القمامة. بيد أن أهله يتمكنون من دفنه في سليير بشنبانيه، ثم تشتعل الثورة الفرنسية، فينقل رفات هذا العظيم في سنة 1791 إلى مدفن العظماء (البانتيون) بباريس.
عادل زعيتر
نابلس
الجزء الأول
الفصل الأول
كيف نشئ كنديد في قصر جميل، وطرد منه؟
كان يقيم بقصر السيد البارون ثندر تن ترنك في فستفالية غلام حبته الطبيعة أكثر السجايا دماثة، وكانت سيماه تدل على روحه، وكان على شيء من إصابة الرأي مع أبسط ما يمكن من نفس، وأظن أن هذا سبب تسميته كنديد.
Неизвестная страница