حين قلت هذا لبعض الرجال والسيدات اعترضت السيدات بشدة، أبى خيالهن أن يتصورن أنفسهن راكبات دراجات في الشارع، انبرى رجل وقال: بل الجو؛ إن جونا حار ولا يمكن احتمال ركوب الدراجة فيه. ولو قدر لهؤلاء جميعا أن يذهبوا إلى بلاد جحيمية الجو مثل تايلاند أو سنغافورة، وهو يرى الناس جميعا يركبون الدراجات، ولو قدر للسيدة أن تقارن بين أن تتحمل اختناق نفسها وجسدها في أتوبيس سرديني الرائحة، سرديني المحتوى، أعتقد أن الدراجة وخاصة نصف الموتور يعتبر ركوبها جنة بالقياس إلى غيرها من المواصلات.
أما حكاية الجو هذه فهي تجرنا إلى لب المشكلة، فالماكسي جيب مثلا أو البنطلون المحزق، ليست أنسب الأزياء في جو مثل جونا، ولكن السيدات يتحملنه ويتحملن ما هو أكثر منه فقط لأنه موضة. وكل ما ينقص الدراجة لتصبح الوسيلة الحاسمة السريعة لحل أزمة المواصلات التي بلغت الحلقوم أن تصبح موضة، وأن تركبها ميرفت أمين.
جمهورية حسن الإمام
لن أستغرب إذا صحوت ذات يوم أو بالضبط ذات ليلة فوجدت أن نساء مصر والبلاد العربية قد تحولن جميعا إلى عوالم أو راقصات؛ ذلك أنه بينما مثقفو مصر الغلابة مشغولون بقضية اليمين والوسط واليسار، فالثقافة الحقيقية التي تنصب في عقول وقلوب أغلبية الشعب المصري ليست سوى ثقافة «هز الوسط»؛ بحيث أصبح المثل الأعلى للمرأة عند البنت المصرية ليست هدى شعراوي أو مي أو صفية زغلول أو حتى فاتن حمامة، المثل الأعلى أصبح الراقصة - أو العالمة بمعنى أدق.
وإذا اعتقد أحد أني أبالغ فليرني فيلما أو مسرحية كتبت عن نموذج طيب حي أو ميت للمرأة المصرية، أمام هذا الزحف الهائل من الملاحم «البطولية» التي أغرقت وتغرق السوق تمجيدا وتخليدا للعوالم والراقصات من شفيقة القبطية إلى زوبة الكلوباتية إلى أخيرا بمبة كشر.
ما هي البطولات العظيمة التي قامت بها شفيقة أو زوبة أو بمبة وأمثالهن، ليستحققن هذا التكريم، ليدخلن التاريخ من أوسع أبوابه - السينما - تجسيدا حيا لمعاناة ومأساة ومهزلة المرأة المصرية في كل تاريخها الطويل؟
إنني لم أستغرب كثيرا حين رحت أستمع لفتاة عراقية صغيرة تحب الأفلام المصرية عن تصورها للقاهرة الحافلة بالكباريهات والراقصات والعوالم، ودقة معلوماتها عن تفاصيل التفاصيل في قصة إدمان شفيقة القبطية للهيروين.
ما هذا أيها السادة، أو بالأصح، أيها السيد الأستاذ حسن الإمام؟
لقد ذكرت - على ما أعتقد في حديث تليفزيوني أو صحفي لا أذكر - أنك عشت فترة في شارع محمد علي، وأنك تأثرت تأثرا كبيرا بحياة العوالم والراقصات، وكنت تقول هذا تفسيرا لانجذابك الشديد لصناعة أفلام بطلاتها عالمات. ولكن ما ذنبنا نحن الشعب المصري والعربي، ما ذنبنا أن يستحيل حب حسن الإمام للراقصات والعوالم إلى المادة الرئيسية للوجبة الثقافية المحدودة التي يتناولها المواطن المصري من السينما؟ فالسينما بالنسبة لجماهير الشعب العريضة ليست مجرد «فرجة» فقط، ولكنها تكاد تكون وسيلة الثقافة الوحيدة لهذه الجماهير. إن أكثر الكتب رواجا وتوزيعا، وأكثر الصحف والمجلات انتشارا ليست سوى قطرة ضئيلة إذا قيست بجمهور السينما والتليفزيون الذي يعد بالملايين. الملايين التي لا تقرأ ولا تعرف القراءة ولا تستعيد قيمها وفهمها للحياة إلا من خلال ما تراه عيونها في السينما أو في التليفزيون.
والمرأة المصرية المكتسحة البطلة في هاتين الوسيلتين، أو بالأصح في الأفلام المصرية، هي المعلمة أو العالمة أو الراقصة.
Неизвестная страница