حدث أبو حاتم أن معاوية «قدم من الشام وعمرو بن العاص من مصر على عمر بن الخطاب، فأقعدهما بين يديه وجعل يسائلهما عن أعمالهما، إلى أن اعترض عمرو في حديث معاوية، فقال له معاوية: أعملي تعيب وإلي تقصد؟ ... هلم تخبر أمير المؤمنين عن عملي وأخبره عن عملك.» قال عمرو: «فعلمت أنه بعملي أبصر مني بعمله، وأن عمر لا يدع أول هذا الحديث حتى يصير إلى آخره! فأردت أن أفعل شيئا أشغل به عمر عن ذلك، فرفعت يدي فلطمت معاوية!» فقال عمر: «تالله ما رأيت رجلا أسفه منك.» قم يا معاوية فاقتص منه، قال معاوية: «إن أبي أمرني ألا أقضي أمرا دونه.» فأرسل عمر إلى أبي سفيان، فلما أتاه ألقى له وسادة وذكر حديث رسول الله: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.» ثم قص عليه ما جرى بين عمرو ومعاوية فقال: «لهذا بعثت إلي؟ أخوه وابن عمه! وقد أتى غير كبير، وقد وهبت ذلك له!»
وأقل ما في هذه الرواية ومثيلاتها أن المنافسة بين الرجلين كانت ملحوظة لا غرابة فيها، وهي في موقعهما من ولاية الشام وولاية مصر أشبه شيء أن يكون.
ويؤخذ من حديث روي عن عبادة بن الصامت أن الاجتماع بين معاوية وعمرو كان من نوادر الأشياء، وأن اجتماعهما كان في رأي الأخيار من علامات الأخطار، فلما قدم عبادة بن الصامت عليهما وهما بالشام، جلس بينهما ثم سألهما: «أتدريان لم جلست بينكما في مكانكما؟» قالا: «نعم، لفضلك وسابقتك وشرفك.» قال: «لا والله ... ما جلست بينكما لذلك، وما كنت لأجلس بينكما في مكانكما، ولكن بينا نحن نسير مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إذ نظر إليكما تسيران وأنتما تتحدثان، فالتفت إلينا فقال: «إذا رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان على خير أبدا».»
وفي صحة هذا الحديث نظر، ولكنها أخبار تدل على مبلغ الصلة بين معاوية وعمرو، وأنها لم تكن من الوثاقة والقرب بحيث تمنع مثل هذا المقال.
فمعاوية لم يستقدم عمرا لصداقة وصحبة قديمة!
وعمرو لم يقدم على معاوية لشيء من ذاك!
ولكنهما رجلان طموحان أريبان، مثلهما لا يعادي إذا كان له في الصداقة نفع، ولا يصادق إذا لم يكن له في الصداقة أرب، وإن أقرب الناس عندهما لوشيك أن يقصى إذا أقصته المنفعة، وإن أقصاهم لوشيك أن يستدنى إذا كان في بعده ضرر!
فهما ملتقيان على تفاهم صريح بلسان المقال، أو صريح بلسان الحال، وقد عرفا ولا جدال على أي وجه يتفاهمان منذ كتب هذا وأجابه ذاك.
Неизвестная страница