وهذا المقوقس قد وجد بصفاته اللازمة عقلا وعملا، فلماذا نحتال على الشك فيه؟
إن صفاته هذه تعيننا على تصحيح كل صفة وكل شخصية في زمانه، فمن لم يكن صالحا لهذا «الدور»، فلا يمكن أن يكون هو المقوقس المشهور، وليكن بعد ذلك من كان!
قال ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها:
كان بالإسكندرية أسقف للقبط يقال له أبو ميامين، فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا تكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو، فيقال: إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانا ...
يريد ابن عبد الحكم البطرق بنيامين ويسميه «أبو ميامين»، وقد بادر البطرق إلى الإسكندرية حين استقر الأمر فيها للعرب، ولم يعد إليها وفيها بقية لسلطان الروم، وهذه خطة من البطرق المختار توافق خطة المقوقس الذي كانت له مكانة الوجاهة الدنيوية، ولم تكن له في الدين مكانة البطرق بنيامين.
الفصل السابع
الحالة الدينية
من المأثورات المتواترة أن المسيحية انتشرت في مصر خلال القرن الأول للميلاد، وأن الرسول مرقس الإنجيلي تولى نشرها في الصعيد ثم في مصر العتيقة والإسكندرية، وتتفق أقوال الأكثرين من الشراح الشرقيين على أن بابل المشار إليها في أعمال بطرس الأولى من العهد الجديد هي بابليون المعروفة بموضعها الآن إلى جوار الفسطاط ومصر العتيقة، وفي ختام هذه الأعمال يشير بطرس الرسول إلى تلميذه مرقس قائلا: «تسلم عليكم التي في بابل المختارة ومعكم مرقس ابني ...»
ويؤخذ من سيرة مرقس المتداولة بين أبناء الكنيسة المصرية أن المسيحية سبقته إلى مصر، وأنه جلس إلى جانب إسكاف بالإسكندرية يصلح نعله، فشغل الإسكاف بالحديث معه وأخطأ، فأدخل المخرز في يده فصاح: أيها الإله الواحد! فعلم الرسول أنه يدين بالإلاهية، وشرح له عقيدته المثلى في الدين.
والقول الأشهر أنه من يهود القيروان أصلا، ثم قدم مع أهله إلى بيت المقدس أيام ظهور المسيح - عليه السلام - فكانوا جميعا من أسرع اليهود إلى تلبية الدعوة المسيحية، وكان خاله يرنابا وأبوه أرستوبولس من المسيحيين الأوائل، وفي منزلهم حضر السيد المسيح وليمة الفصح، وإلى هذا المنزل كان التلاميذ يترددون قبل انتشارهم في الأقطار.
Неизвестная страница