خطب سلمان الفارسي إلى عمر بن الخطاب، فأجمع على تزويجه، فشق ذلك على عبد الله بن عمر، وشكاه إلى عمرو بن العاص ... فها هنا مسألة دقيقة بين أب وابنه في تزويج رجل لا تحسن الإساءة إليه بعد وعده، ولا بد للحكم فيها من رفق وإربة، حتى يرضى الأب والابن والخطيب وما منهم من يسخط على زميله، قال عمرو لعبد الله بن عمر: علي أن أرده عنك راضيا، وأتى سلمان فضرب بين كتفيه بيده، ثم قال: هنيئا لك أبا عبد الله! هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجك ...! فالتفت سلمان مغضبا وقال: أبي يتواضع؟ والله لا تزوجتها أبدا.
وخطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت أبي بكر إلى أختها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقالت له: الأمر إليك! ثم سألت أختها فأبته وهي تقول: لا حاجة بي إليه، فزجرتها قائلة: أترغبين عن أمير المؤمنين؟ قالت : نعم، إنه خشن العيش، شديد على النساء ...!
وهنا مسألة دقيقة من قبيل ما تقدم: أمير المؤمنين ترفضه أم المؤمنين.
ولا ينبغي أن يواجه بالرفض، وإن كان لا سبيل إلى إكراه أم كلثوم على قبوله.
فلجأت السيدة عائشة إلى عمرو بن العاص ليحتال في الأمر برفقه ودهائه، فجاء عمر وفاجأه قائلا: بلغني خبر أعيذك بالله منه، قال: ما هو؟ قال: خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر؟ قال: نعم، أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عني! قال: لا واحدة، ولكنها حدثة نشأت تحت كنف أمير المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟ كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك!
ولا شك أن عمر قد فطن إلى ما وراء هذه الوساطة، وفهم أن ابن العاص لا يقدم عليها من عند نفسه، فسأله كأنه يستطلع ما وراءه: كيف بعائشة وقد كلمتها؟
قال: أنا لك بها، وأدلك على خير منها: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، تعلق منها بنسب رسول الله.
فهي إذن حكومة الإرضاء والتناول الرفيق لكل شائك محرج من العلاقات التي يصعب الحكم فيها بغير هوادة وحنكة ...!
وشبيه بهذا - وإن لم يكن من شئون المصاهرة - إيفاد عمرو إلى نجاشي الحبشة لإقناعه بتسليم من قبله من المسلمين إلى مشركي قريش، وهو أمر فيه من المساس بأصول الضيافة ما تصعب المفاتحة فيه فضلا عن الإقناع به، إلا أن تكون لباقة ورفق مدخل وقدرة على التخلص السريع.
وشبيه بهذا أيضا إيفاد عمرو إلى أخوال أبيه في عهد الإسلام لإقناعهم بالخروج من دينهم والدخول في الدين الجديد.
Неизвестная страница