وكف البنات فجأة عن الغناء فوق أنابيب الاختبار، وتوقف عن الصفير والعمل عمال المناظير المكبرة، وساد صمت عميق، وتلفت كل امرئ حواليه.
وكرر المدير قوله: «سيداتي وسادتي، عفوا إن قطعت عليكم حبل العمل، فإن واجبا أليما يدفعني إلى ذلك دفعا، إن أمن الجماعة واستقرارها في خطر، أجل في خطر أيها السادة، إن هذا الرجل ...» وأشار إلى برنارد متهما إياه: «الذي يقف أمامكم هنا، إن هذا الرجل من طبقة «+أ» الذي نال الكثير، وأصبحنا نتوقع منه لذلك الكثير، إن زميلكم هذا - أو هل لي أن أسبق الحوادث وأقول هذا الزميل السابق؟ - قد خان العهد الذي وضعناه في عنقه خيانة عظمى، إنه بزندقته فيما يخص الرياضة والسوما، وبحياته الجنسية المشينة الشاذة، وبرفضه أن يطيع تعاليم فورد ويسلك خارج ساعات العمل، كما يسلك الطفل في قارورته (وهنا رسم المدير هذه العلامة:
T ) إنه بذلك برهن على أنه عدو للمجتمع، وإنه ثائر - أيها السادة - على النظام والاستقرار ومتآمر على الحضارة نفسها؛ لهذا أقترح أن نفصله عن الوظيفة التي كان يشغلها في هذا المركز موصوما بالخزي والفضيحة، وأقترح أن نطلب نقله فورا إلى مركز فرعي من أحط المراكز، وإننا بعقوبته نخدم مصلحة الجماعة؛ لأننا سوف نبعده على قدر ما نستطيع عن كل مركز هام من مراكز السكان، إنه لن يجد في إيسلندة إلا فرصة ضئيلة، تمكنه من تضليل الآخرين بسلوكه الذي يخالف به شريعتنا. وسكت المدير لحظة، ثم ضم ذراعيه واتجه ببصره نحو برنارد، وقال له بنغمة مؤثرة: «هل تستطيع أن تذكر لنا، يا ماركس، سببا يدعو إلى عدم تنفيذ الحكم الذي أصدرناه بشأنك الآن؟»
فأجاب برنارد بصوت مرتفع جدا: «نعم أستطيع.»
فقال المدير: «إذن فاذكره.» وقد ارتاع قليلا، ولكنه ما برح شامخا بأنفه.
قال برنارد: «بالتأكيد، ولكنه في الممر، انتظروني لحظة.» وهرع إلى الباب وفتحه، ثم قال آمرا: «ادخل» ودخل السبب وظهر للعيان.
وشهق الجميع وتمتموا بالدهشة والفزع، وإذا بفتاة صغيرة تصيح، ووقفت إحدى الحاضرات على أحد المقاعد؛ كي تتمكن من مشاهدة المنظر، فانقلبت أنبوبتان من أنابيب الاختبار مليئتان بالحيوانات المنوية، وتقدمت لندا داخل الغرفة وجلست خلال الأبدان الفتية الشابة ذات الوجوه النضرة، وهي امرأة متورعة مترهلة كالوحش المفزع الغريب في منتصف العمر، تبسم ابتسامة مداعبة خفيفة لها طابع غريب، وقد قصدت أن تخطر بصورة تثير الشهوة، فهزت ردفيها الغليظين وهي تمشي، وسار إلى جوارها برنارد.
وأشار إلى المدير قائلا: «ها هو ذا.»
فقالت لندا غاضبة: «وهل كنت تحسب أني لم أعرفه؟» ثم التفتت إلى المدير، وقالت: «عرفتك بالطبع، وكنت أعرفك يا توما كين في أي مكان لو كنت بين ألف، ولكن ربما نسيتني، ألست تذكر؟ ألست تذكر يا توماكين، لنداك.» ووقفت تنظر إليه ورأسها على جانب، ولا زالت باسمة غير أن ابتسامتها أصبحت تدريجا - لقاء ما بدا على المدير من تقزز وتحجر - تنم عن نقص في ثقتها بنفسها، كانت ابتسامة حائرة، ثم تلاشت في النهاية، وكررت سؤالها في صوت متهدج «ألست تذكر يا توماكين؟!» وبدا في عينيها القلق والألم، وتغيرت ملامح وجهه الملطخ المترهل بصورة عجيبة، وظهر عليه تجهم يدل على الحزن العميق، ومدت ذراعيها قائلة: «توماكين.» وبدأ أحد الحاضرين يضحك همسا.
وقال المدير: «ما معنى هذا المزاح ...؟»
Неизвестная страница