وكان جوازهما يقتضي توقيع حارس المنطقة، فقدما له نفسهما في مكتبه في الوقت المناسب في اليوم التالي، وتسلم بطاقة برنارد بواب زنجي من طراز «+ه»، وسمح لهما بالدخول فورا.
وكان الحارس رجلا أشقر اللون، صغير الرأس، من نوع «−أ»، قصيرا متوردا، وجهه كالقمر، عريض المنكبين، ذا صوت قوي مرتفع، يلائم أشد الملاءمة النطق بحكم الإيحاء أثناء النوم، وكانت لديه ثروة من المعارف التي لا تتصل بالموضوع، يسدي النصيحة الطيبة دون أن يطلب ذلك إليه أحد، وإن بدأ أخذ يتدفق بصوت كقصف الرعد. - «خمسمائة وستون ألف كيلومتر مربع، مقسمة إلى مناطق فرعية منفصلة، يحيط بكل منها سور من الأسلاك الشديدة التوتر.»
وفي هذه اللحظة ولغير ما سبب واضح، تذكر برنارد فجأة أنه ترك صنبور الكولونيا في حمامه، مفتوحا يتصبب منه العطر. - «وتستمد التيار من محطة المجاري المائي الكهربي الكبير.»
ورأى برنارد بمخيلته الإبرة فوق مقياس العطر، تتقدم تدريجا بسرعة النملة ولكنها لا تفتر، فقال: «إن ذلك يكلفني ثروة طائلة حتى أعود، فخابروا هلمهلتز تلفونيا على عجل.» - «أكثر من خمسة آلاف كيلومتر من الأسوار بقوة ستين ألف فولت.»
فقالت ليننا: «لا تقل ذلك.» ولم تدرك البتة ما قاله الحارس، ولكنها فهمت ما يعني تلميحا من سكوته، الذي كان يحاكي سكوت الممثلين، وكانت قد ابتلعت نصف جرام من السوما دون أن يراها أحد، قبلما يشرع الحارس في الكلام بصوته المجلجل، فكانت النتيجة أنها استطاعت الآن أن تجلس هادئة غير مصغية، لا تفكر في شيء مطلقا، وعيناها الزرقاوان الواسعتان محدقتان في وجه الحارس كأنها متنبهة مشغوفة.
وقال الحارس جادا: «ومن يلمس السور يمت في الحال، وليس من منطقة المتوحشين مفر.»
وقد أوحت هذه الكلمة الأخيرة «مفر» لبرنارد، أن ينهض قليلا ويقول: «يجب أن نفكر في الانصراف الآن.» وقد تخيل الإبرة الصغيرة السوداء دائبة في مسيرها، كالحشرة تأكل ما له قضما مع كر الساعات.
فرده الحارس إلى كرسيه، وكرر قوله: «لا مفر.» وحيث إنه لم يوقع بعد على الجواز فلم ير برنارد بدا من الطاعة، ثم قال الحارس: «إن أولئك الذين يولدون في المنطقة، لا بد لهم أن يموتوا فيها.» ثم قال وقد نظر إلى ليننا شزرا ورمقها بنظرة فاحشة، وتحدث في همس غير مألوف: «اذكري يا آنستي العزيزة أن الأطفال لا يزالون يولدون في المنطقة. أجل إنهم ليولدون، وقد يبدو لك ذلك أمرا منفرا ...» (وكان يأمل أن تخجل ليننا هذه الإشارة إلى موضوع مخجل، ولكنها اكتفت بالابتسام وتكلفت الإدراك، وقالت: «لا تقل ذلك.» فشعر الحارس بالخذلان).
لا بد أن يموتوا ... عشر لتر من الكولونيا كل دقيقة، أي ست فترات في الساعة، فحاول برنارد الكلام مرة أخرى، قال: «يجب أن نفكر في ...»
وانحنى المدير إلى الأمام، وقرع المائدة بسبابته وقال: «تسألونني كم من الناس يعيش في المنطقة، وأجيبكم أني لا أعرف، لكني أستطيع أن أحدس.» وأحس بإحساس الرجل الظافر. - «لا تقل ذلك.» - «آنستي العزيزة، إني أقول لذلك.»
Неизвестная страница