وأجيبوا فجأة إلى ما طلبوا. «عاهرة!» واندفع الهمجي نحوها كالمجنون، «يا لك من هرة وحشية!» وشرع كالمجنون يضربها بسوطه المصنوع من الحبال الصغيرة.
فجزعت وأرادت الفرار، ولكنها تعثرت وسقطت فوق الخلنج، وصاحت «هنري، هنري!» لكن زميلها المتورد كان قد فر من وجه الأذى خلف الطائرة.
وانفرط عقد الصف هاتفين بصيحات تنم عن السرور والاضطراب، وخطوا جميعا متجمعين في نقطة واحدة، كأن مركزا مغناطيسيا يجذبهم، لقد كان الألم فزعا يأخذ الألباب.
وجن الهمجي وضرب بسوطه ثانية وهو يقول: «يا لك من عاهرة فاجرة!»
وتجمعوا مشغوفين، وهم يتدافعون ويزحفون، كأنهم الخنازير حول حوض العلف.
وضغط الهمجي على أسنانه وقال: «تبا للحم! اقتله، اقتله!» ونزل السوط على منكبيه هذه المرة.
وجذب المشاهدين الجزع من الألم الذي يأخذ بالألباب، ودفعتهم من الباطن عادة التعاون والشغف بالإجماع، والتكفير الذي ثبتته في نفوسهم ثبوتا ملازما طريقة تكييفهم، فبدءوا يقلدون حركاته الجنونية، يضرب أحدهم الآخر كلما ضرب الهمجي بدنه العاصي، أو ذلك الجسم البدين الذي يتجسد فيه الدنس، والذي كان يتلوى فوق الخلنج عند قدميه.
واستمر الهمجي يصيح: «أقتله، أقتله ...»
ثم بدأ أحد الأشخاص فجأة يغني: «شولم، شولم.» وبعد لحظة ردد الجميع هذه العبارة، وبدءوا يرقصون وهم يغنون، ولبثوا يدورون دورة بعد أخرى مرددين: «شولم، شولم.» يضرب أحدهم الآخر ضربات موزونة «شولم، شولم».
ولم ترحل آخر طائرة إلا بعد منتصف الليل، واستلقى الهمجي فوق الخلنج ونام بعد ما أذهلته السوما، وأنهكه الانهماك الطويل في جنون المتع الحسية، ولم يستيقظ إلا بعد ما ارتفعت الشمس في السماء، فاستلقى لحظة يطرف بصره في الضوء، وكأنه بومة لا يفقه شيئا، ثم تذكر فجأة كل شيء.
Неизвестная страница