وسألها الهمجي متجاهلا هذا الشرح الذي ألقته بأدب جم: «أين هي؟»
فاستاءت الممرضة وقالت: «الظاهر أنك على عجل.»
فسألها: «هل هناك أمل؟» «تقصد أملا في عدم موتها؟ (فأومأ برأسه)، كلا ليس هناك بالطبع أمل، عندما يرسل الشخص إلى هذا المكان فليس هناك ...» وراعتها ملامح الغم التي بدت على وجهه الشاحب، فحورت حديثها فجأة وسألته: «ماذا عسى أن يكون الأمر؟» فهي لم تتعود من زائريها ما يشبه ذلك (وليس معنى هذا كثرة الزائرين على أية حال، أو أن هناك ما يدعو إلى كثرتهم) «لعلك لا تحس بالمرض؟»
فهز رأسه، وقال بصوت لا يكاد يسمع: «إنها أمي.»
فرمقته الممرضة بعينين مذعورتين مروعتين، ثم صرفت عنه نظرها بسرعة، وتدفق الدم الحار في وجهها من الحلق إلى العارض.
وقال الهمجي: «أريني السبيل إليها.» وقد بذل جهدا في الكلام بنغمة عادية.
فهدته إلى الجناح السفلي وهي لا تزال في حمرة الخجل، والتفتت إليهما وهما في طريقهما وجوه نضرة، لم تتغضن بعد؛ (لأن الشيخوخة كانت تتقدم بسرعة لم تجد معها الوجوه وقتا تظهر فيه علامات السن - إنما شاخت القلوب والأذهان فقط)، وتبعتهم وهم يتقدمون في مسيرهم عيون الطفولة الثانية الساذجة التي لا تتطلع إلى شيء، وارتعد الهمجي وهو ينظر حواليه.
وكانت لندا ترقد في نهاية صف الأسرة الطويل المحاذي للحائط مباشرة، وكانت ترقب - وهي ترتكز إلى الوسادات - الأشواط النهائية لبطولة تنس سطح ريمان بأمريكا الجنوبية، وهو يلعب في صمت وبصور مصغرة على شاشة صندوق التلفزيون عند أسفل السرير، وكان اللاعبون الصغار (وهم من سكان عالم آخر، صامتون متهيجون) يندفعون بغير ضجيج - كالسمك في حديقة الأسماك - هنا وهناك من أحد جوانب المربع الزجاجي المضيء إلى الجانب المقابل.
وكانت لندا تشاهد الصورة وهي تبسم ابتسامة غامضة تدل على عدم الإدراك، وبدت على وجهها الشاحب المنتفخ الملامح التي ترتسم على وجه السعيد الأبله، وهي تغمض جفنيها الفينة بعد الفينة، وبدت ناعسة لبضع ثوان، ثم تيقظت بشيء من الذعر، فشهدت أبطال التنس الغرباء الصامتين، وسمعت أنشودة «عانقني حتى تخدرني يا حبيبي»، وقد وقعها فوكس ورلتزريانا العجيب، وأحست بتيار من رائحة الليمون يهب من النافذة فوق رأسها - تيقظت على هذه الأشياء، أو قل تيقظت على حلم يتألف من هذه الأشياء العجيبة، بعد ما صورتها وزينتها السوما في دمائها، ثم تبسمت مرة أخرى بسمتها المتقطعة التي لا مغزى لها، والتي تنم عن قناعة الطفولة.
فقالت الممرضة: «لا بد لي أن أنصرف الآن، فعندي مجموعة من الأطفال سوف يقبلون، وعندي - فوق ذلك - رقم 3.» وأشارت إلى أعلى الجناح «وقد أنصرف الآن في أية لحظة، فاطمئن هنا.» ثم انصرفت على عجل وفي نشاط جم.
Неизвестная страница