وفي القرن الحادي عشر بدأ خروج الدنماركيين من الداخل الزراعي، سواء كان ذلك في شبه جزيرة جتلند أو في الجزر، ومنذ ذلك التاريخ يبدأ التوجيه البحري يلعب دوره في حياة الدنمارك، وقد بنيت في تلك الفترة سلسلة من القلاع والحصون على الشواطئ لتحمي الجزر وشبه الجزيرة من غارات القراصنة وغزواتهم المدمرة، وفي تلك الفترة أيضا أنشئت كوبنهاجن وآرهوس وآلبورج كمراكز مدنية رئيسية.
ومنذ إنشاء هذه المدن والحصون على ساحل البحر بدأ عهد التوسع الدنماركي خارج جتلند والأرخبيل الدنماركي، وقد امتد نفوذ الدنمارك السياسي إلى المناطق المجاورة عبر البحار، وفي فترة كانت تحتل جزءا من جزيرة بريطانيا، ثم احتلت بعض أراضي البلطيق، كذلك ظلت تحتل النرويج من سنة 1397 إلى سنة 1814 - أي قرابة أربعة قرون ونصف القرن، وهذا الاحتلال الطويل قد أثر - كما رأينا - تأثيرا واضحا في اختلاف لغة النرويج.
خريطة رقم (14): الدنمارك وجنوب السويد.
وفي خلال هذه الفترة التوسعية للدنمارك حدث نزاع طويل مع المدن الألمانية المؤتلفة في اتحاد الهانزا التجاري المنتشرة في بحر البلطيق وبحر الشمال، ثم أخذت المنافسة تشتد بين الدنمارك والسويد كقوة جديدة نامية ومتوسعة، وقد أدت هذه الحروب والصراعات إلى إجهاد الدنمارك، وترتب على ذلك أن أخذ نجم الإمبراطورية الدنماركية في الأفول، فانسحبت من البلطيق أولا، ثم انسحبت بعد ذلك من النرويج، ففي القرن السادس عشر كانت الجيوش السويدية تكتسح أمامها الدنماركيين من جنوب السويد ومن البلطيق، ولم يكن أمام الدنمارك إلا التراجع نتيجة لإجهاد الدولة حيث إن قاعدة الدنمارك طبيعيا وسكانيا أصغر من القاعدة التي تنمو عليها السويد، وقد ظلت الدنمارك متمسكة بالنرويج إلى أن استقلت في أوائل القرن التاسع عشر، وكذلك فقدت الدنمارك أيسلندا التي كانت منذ 1918 تتمتع بالحكم الذاتي تحت تاج الدنمارك، ثم أعلن استقلالها في الربع الثاني من القرن الحالي (سنة 1944)، وكذلك باعت الدنمارك جزر فرجين
Virgin
في جزر الهند الغربية إلى الولايات المتحدة في عام 1917، ولم يبق من الإمبراطورية سوى جرينلاند ومجموعة جزر فارو
Faroe
الصخرية - 22 جزيرة صغيرة وكبيرة مجموع مساحتها 1400 كيلومتر مربع، منها 17 جزيرة مأهولة بالسكان، وعدد السكان في الوقت الحاضر حوالي أربعين ألف شخص، وقد أصبحت جزر فارو تتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1948، ولكنها ما زالت مرتبطة بالدنمارك سياسيا وحضاريا.
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر - بعد نمو السويد وسقوط الدنمارك في البلطيق - أخذت الدنمارك تركز كل جهودها لمشاكلها الاقتصادية والاجتماعية الداخلية مما أعطاها فترة طويلة تعيد فيها تنظيم مواردها على أساس المساحة الصغيرة التي تشغلها، وقد كان لذلك أثر كبير على ظهور الدنمارك في الوقت الحاضر كدولة رخاء ووفرة بالقياس إلى دول أخرى كثيرة. (3) المظاهر الأساسية في جغرافية الدنمارك الطبيعية
قلنا إن الدنمارك أرض سهلية في مجموعها، وإن التغاير التضاريسي محدود ويتخذ صورة سهول متماوجة واسعة، وأثر التعرية الجليدية واضح وهام لتفسير الظاهرات التضاريسية وأشكال السواحل، فالمنظر الطبيعي العام تظهر فيه تشكيلات المورين - الركامات الجليدية النهائية والجانبية - في كل مكان، وتتكون هذه الركامات من كتل مختلفة الأحجام من المخلفات الصخرية مختلطة مع التربة التي تكونت نتيجة تضاغط حقول الجليد وطحن الصخور، وتتراوح السطوح بين تماوجات خفيفة جدا، إلى تماوجات شديدة في بعض الأحيان، وهذه الاختلافات راجعة إلى حركة واتجاه الحقول الجليدية أثناء إرساب هذه الركامات، وبالإضافة إلى ذلك فإن عودة تقدم الجليد في خلال البليوستوسين قد أدى إلى إحداث فوضى وتغيير في شكل الركامات السابقة، وترتب على هذا كله فوضى واضحة في شكل السطح العام، مع كثرة الحفر التي أحدثها الجليد والتي تكون الآن البحيرات أو المستنقعات.
Неизвестная страница