На полях биографии

Таха Хусейн d. 1392 AH
170

На полях биографии

على هامش السيرة

Жанры

صلى الله عليه وسلم

يرى فيتلو قول الله عز وجل:

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .

ثم يأمر أن يغطي أعلاه بالثوب وأن يلف أسفله برطب الكلأ، ثم يقول: «إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة.» ثم يقبل على الناس فيقول: «أيها الناس زوروهم وأتوهم وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام.»

3

الفصل السادس

طريد اليأس

لم يذكروا في تلك الليلة ماضيهم الحلو وحاضرهم المر، ولم يتحدثوا عن أوطانهم تلك النائية التي كانوا ينعمون فيها بلذات الحياة، ويستمتعون فيها بخفض العيش، ويسيرون فيها سيرة الأحرار، لا يعرفون لأحد غير قيصر وعماله عليهم سلطانا، وقد يعرف لهم غيرهم كثيرا من السلطان والبأس، وقد يقدم إليهم غيرهم كثيرا من آيات الطاعة والإذعان. ولم يسمروا بهذه الأحاديث التي تعودوا أن يسمروا بها إذا فرغوا من أعمالهم وانصرفوا إلى راحتهم ولقي بعضهم بعضا حين ينقضي النهار ويتقدم الليل، والتي كانوا يستعيدون بها حياتهم تلك الجميلة المشرقة، ويستحضرون بها مواطن لذاتهم ونعيمهم، هناك حيث لا يشتد القيظ حتى ينضج الجلود ويصهر الأجسام، وحيث لا تقع العين على الجبال الجرد والوهاد المقفرة، وحيث لا تضيق الأرض بالناس ولا يضيق الناس بالأرض، وحيث يستقبل الناس أيامهم راضين باسمين، ويستقبلون لياليهم لاهين عابثين. كلا! ولم يسمروا في تلك الليلة بما كانوا يسمرون به من ذكر الفاتنات المفتونات اللاتي كن يحولن حياتهم أحلاما، ويجعلن جدهم لعبا، ويسرين عنهم كل هم، ويغرين بهم كل نعيم، يخلبنهم باللفظ واللحظ، ويعذبنهم بالدل والتيه، ويسعدنهم بالقرب والوصل، كلا! ولم يسمروا في تلك الليلة بأحاديث قيصر وقصره، ولا بأنباء الحاكم وحاشيته، ولا بقصص الحرب بين الفرس والروم.

وأين هم الآن من قيصر وقسطنطينيته! وأين هم الآن من تلك الثغور الباسمة القوية التي كانت تبسم لأهلها كأنها الجنات، وتعبس لأعدائها كأنها الجحيم! وأين هم الآن من الفرس والروم! وأين تكون مكة من ميادين الحرب بين الفرس والروم! كلا! ولم يسمروا في تلك الليلة بما كانوا يسمرون به أحيانا من أحاديث ساداتهم ومواليهم، ومما كان يتصل بينهم من التنافس والجهاد، ومما كان يدبر بينهم من الكيد والمكر، ومما كان يجتمع لهم من الغنى والثراء، ومما كان يلم بهم من الحوادث والخطوب. كلا! ولم يسمروا في تلك الليلة بما كانوا يسمرون به أحيانا من أحاديث هذه القوافل التي تفصل من مكة إلى الشام، فتمضي معها نفوسهم تسايرها في تلك الطرق البغيضة التي يذكرون طولها وثقلها حين قطعوها عناة أذلاء، يساقون إلى مكة عبيدا أرقاء، والتي كانت تعود إلى مكة قافلة من الشام تحمل من أرض قيصر أنباء مختلطة وأحاديث مشوهة مضطربة، ولكنهم كانوا يتلقفونها ثم يتناولونها بالتأليف والتصنيف، وبالتحليل والترتيب، حتى يكونوا منها شيئا مستقيما أو كالمستقيم، ثم يتخذون منه علما بأمور أوطانهم تلك التي لم يبق لهم إليها سبيل.

كلا! لم يسمروا في تلك الليلة بشيء من هذا؛ لأن أحاديث مكة شغلتهم عن كل هذا. وما لها لا تشغلهم وصاحبهم «لسياس» قد اشترك فيها وأثار كثيرا منها! وها هو ذا قد اتخذ مكانه بينهم كئيبا كاسف البال، محزونا بادي الحزن، قد اضطربت نفسه أشد اضطراب، وهو يتحدث إليهم في صوت متقطع مظلم كأنما أسبغ الحزن والندم واليأس عليه ظلمة كثيفة متراكمة لا تنكشف عن شيء. وما له لا يكتئب ولا يبتئس! وما له لا يحزن ولا يندم! وما له لا يفزع ولا يجزع، وقد سفكت يده المسيحية دما بريئا ولما ينتصف النهار!

Неизвестная страница