قال عمرو بن هشام وهو يتكلف الابتسام: «إنك لحلو الدعابة منذ اليوم يا عم! وما أرى إلا أن أمور القافلة تستقيم لك على خير ما تهوى.»
قال الشيخ: «لم تعد الحق يابن أخي، فما أكثر ما حمل إلي من الذهب والورق والعروض! وما أشد ابتدار قريش إلى الرحلة وتنافسها في السفر! ولتعلمن قريش أن الوليد بن المغيرة ميمون النقيبة، لا يتولى لهم تجارة إلا عادت عليهم من الربح بأكثر مما ينتظرون.»
هنالك انبسطت أسارير القوم وظهر الابتهاج في وجوههم، وقال قائلهم: «والله ما علمناك يا أبا الوليد إلا سيدا كريما ميمون النقيبة في كل ما وليت من الأمر.»
قال الوليد لابن أخيه في صوته العريض العميق: «ولكن أمور الموسم لا تجري من النجح والاستقامة على مثل ما تجري عليه أمور التجارة. فقد أدركت قومك يابن أخي وهم يختصمون في شيء ليس بذي خطر في ظاهر الأمر، ولكنه بعيد الأثر في حياتهم وفيما يستقبلون من سياسة العرب. وحسبك أنها الخصومة بين المنفعة والحياء. وإذا اختصمت في نفسك المنفعة والحياء فإلى أيهما تميل؟»
قال عمرو بن هشام: «فأما إن كنت تمزح فإني أوثر المنفعة ولا أعدل بها شيئا. وأما إن كنت تريد إلى الجد فإني أوثر الحياء لا أعدل به شيئا؛ لأني أوثر دائما أن أكون رجلا، والحياء نصف مروءة الرجل. ولكني لا أفهم عنك ما تقول منذ اليوم، فما هذه الخصومة بين المنفعة والحياء؟»
قال الوليد: «فإن قومك يستعدون للموسم كما علمت، ويتهيئون لاستقبال العرب الذين يفدون علينا من كل صوب إذا دنت هذه الأشهر الحرم، وأنا أعلم أنك مشغول بنفسك عن مثل هذه الهنات، ولكن هذه الهنات معقدة يابن أخي أشد التعقيد، ينهض بأثقالها شيوخ قومك وذوو الأحلام منهم على حين تختلف أنت وأترابك ...»
قال عمرو بن هشام: «حسبك يا عم فقد سمعت من ذلك ما أرضاني أمس»، ثم تمثل قول الشاعر اليثربي:
قالت ولم تقصد لقيل الخنا
مهلا فقد أبلغت أسماعي
قال الوليد: «أما إن كان ذلك كذلك فإني أرجو أن يكون فيك خير. ولكن قومك يختصمون في الأمين وفي أمر أقدم عليه في الموسم الماضي، وهم يخشون أن يعود إليه في الموسم المقبل.» قال عمرو بن هشام: «وما ذاك؟» قال الوليد: «ألست تذكر أن محمدا غير من عادات قريش في الحج ما لا يقدر أحد على تغييره، فحج كما يحج العرب لا كما يحج أهل الحرم؟» قال عمرو بن هشام وهو يبتسم ويهز رأسه: «لا أذكر من ذلك شيئا.»
Неизвестная страница