На Обочине Тротуаров
على هامش الأرصفة
Жанры
وفي قلق وانفعال سحب دكتور محمد فتحي من يده منتزعا إياه من خرافات الجدة إلى خرافاته هو الخاصة.
إطلاقا لم ير في حياته أجمل من هذا الوجه. غير وطنه، رأى وطنين، ففي بكين الأوجه مستديرة ناعمة كلحن فلوت منفرد في ليلة مقمرة، عليها عيون حادة، ذكية ضيقة مختصرة مشحونة بسحر أنوثة عريقة القدم، دافئة كشط حلم صيفي، فمنى خلاصة هذا السحر الكونفوشيوسي.
في مساءات الربيع، وعندما يتجول في أزقة مدينة بوسطن بين مقاهي الطفل إدجار آلان بو الذي يسكر بكأس واحدة من البيرة، وتحبل أساريره بمجرد عطر أنثى، كان يجد الخلاسيات والهجينات الأمريكيات، سمرتهن القمح، عيونهن غابات الأبنوس، منى كان وجهها تعبيرا غامضا عن كل ذلك. ولأنها أجمل ما رأى؛ رفع والدها عنها ثوب الترقال السميك والذي كانت تتدثر به، في جرأة وانفعال مهووسين، المقل الدمعة المحملقة في تلك المحنة العجيزة المعكوسة، ومن اللمحة الأولى، كاد يغمى عليه، أحقا ما يرى، أم كان كابوسا عابرا جميلا مجنونا؟! يريد أن يفهم، هل العجز هو الذي بالأمام؟ أم الوجه الجميل الساحر هو الذي بالخلف؟! لكن الذراعين كذلك معكوستان، أحس بدوار طفيف ولكنه ظل متماسكا، ولم ينطق بغير جملة غليظة لم يفهمها أحد:
Congenital anomaly .
1 - إنها ولدت هكذا منذ عشرين عاما.
جذبت الملاءة لتغطي أحزانها، ثم أخذت تبكي بعصبية تحت الغطاء بكاء حامضا، ثم انفجرت: اتركوني وحدي. «لا، لا» في عمقه صرخ د. محمد عندما لاحقته صورتها الجميلة المفزعة في نفس الآن، الغيث والصاعقة، «لا، لا»، كان يحاول أن يخلق توازنا نفسيا، لم يستطع هذا العقل الجراح الصمود أمام مسألة الوجود أو لعبته البسيطة جدا.
من يوم ميلادها خبأناها وقلنا للآخرين إنها ماتت، ولا أحد يعلم بوجودها غير أفراد الأسرة وخاصة الأقارب، وأنت. امرأة بهذا الجمال، بهذا القبح والمفاجأة، لم يبدعها حتى خيال «سلفادور دالي» في قمة جنونه وعظمة شيطانيته، وقد حاول كثيرا د. محمد أن يقنع نفسه رغم ذلك بأنها حالة عادية، وأنها فتاة كاملة في جمالها وخلقها، فقط بإبداع رباني مختلف، شغلت باله كل الوقت ولم تبق في سماوات وعيه وغيبوبته غير هذه «المنى» وحدها. فكر فيها بعقل الجراح، وجهز في صمت سكونه المشحون بصخب الفكر والمحاولة غرفة العمليات، وأخذ يعمل مشرطه، ثم أطلق لخيالات إنسانه العنان ورسمها امرأة، أنثى، فصعبت الصورة ولكن لم يستحل التخيل، «لا بد أن تكون أنثى، ممكنة جدا»، طرد ذلك وهو يكتب رسائله لأساتذته ببوسطن وبكين شارحا لهم مأساة أمكنة الجسد المختلفة، ومرفقا مع الخطابات رسومات «المنى» وهي في مواضع شتى:
صورة للعجيزة الضخمة نائمة في نهر أنوثتها أمام الوجه الجميل، وهما يتناجيان في حوار خلقي صامت.
صورة أمامية أو خلفية للبطن وهما يتناجيان في حوار خلقي صامت.
صورة أمامية أو خلفية للبطن في لقائه الغامض بالخصر وملتقى الفخذين، وهما يطلان على الجزء الخلفي من الجمجمة، وربما كان هذا الجزء الأكثر قبحا وألما.
Неизвестная страница