وقال خشقدم الرومي لنفسه وقد عاد وحيدا كما بدأ: وهذا زميل آخر قد مضى لوجهه حرا وخلفني في أسر الرق، وغدا يدعونه سيدي وكان رقيقا مثلي ... ذلك الجركسي الأمرد! أما والله إن امتد بي الأجل لأكونن سيده، ولا يشفع له يومئذ أن خده ناعم مصقول كخد الفتاة!
الفصل السابع
أطماع المماليك
تتابعت الحوادث في مصر بين أتباع أقبردي وأتباع قنصوه الخمسمئي، ثم نشبت بينهما الحرب سافرة، وكان أولها مؤذنا بالغلبة لأقبردي الدوادار، ولكن كفة الميزان لم تلبث أن رجحت بحظ قنصوه ...
على أن مراحل المعركة بين الأميرين العظيمين لم تكن طبيعية، فقد كانت ثمة أيد خفية تعمل في الظلام لتؤلب كلا الحزبين على الآخر؛ لأن تلك الأيدي لم يكن يعنيها من المنافسة بين الأميرين إلا أن تستمر الحرب بينهما، حتى يتفانى أتباعهما ويبرزا في الميدان رجلا لرجل ليس لواحد منهما ظهر يحميه!
وخيل لقنصوه الخمسمئي أنه قد بلغ غايته حين ألجأ منافسه إلى الفرار، وتدانى له الأمل البعيد حين رأى السلطات كلها قد اجتمعت في يديه، وإن كان السلطان لم يزل حيا يجلس على العرش، ويمضي مراسيم التولية والعزل وليس له على الحقيقة أمر ولا نهي!
ثم حلت الساعة المرتقبة وأوفى الأشرف قايتباي على أجله، ولكن حزب القصر كان قد أعد عدته لهذه النازلة قبل أن تقع، فلم يكد نعي السلطان الأشرف قايتباي يبلغ آذان قنصوه الخمسمئي، حتى كان السلطان الناصر محمد بن قايتباي جالسا على عرش أبيه!
وصرت أسنان قنصوه من الغيظ، ولكنه لم يلبث أن ملك زمام أمره؛ فدبر خطة للقضاء على تمراز وأقبردي قبل أن يقضيا عليه ويفرضا إرادتهما على السلطان الصغير. وزحف قنصوه بمماليكه إلى القلعة، فضم جناحيه على العرش والجالس عليه، واستأثر بالسلطان حتى لم يبق فوق أمره أمر، وإن زعم الناس أن السلطان هو الناصر ابن قايتباي ... فلما استوسق الأمر كله لقنصوه وأيقن أن أعداءه قد ذهبت ريحهم وتفرقوا في البلاد ، وثب وثبته فخلع السلطان وزحف إلى القلعة بجيش لجب من مماليكه وأتباعه؛ ليلبس التاج ويقبض على الصولجان.
ولكن القلعة لم تكن يومئذ خالية من أسباب الدفاع وفيها قنصوه خال السلطان الناصر وأخو أصل باي، وإنه لفتى لا يؤتى من قريب وإن لم يحسب له قنصوه الخمسمئي حسابا. وانصبت القذائف من القلعة على الجيش الزاحف، فتوقف، ثم ارتد، ثم انهزم، وعاد الناصر إلى عرشه، ولكن السلطات كلها اجتمعت في يد قنصوه الخال ...
وتألق نجمه، ذلك الشاب الذي كان منذ سنوات مملوكا خاملا من مماليك الطبقة تنبو عنه العيون!
Неизвестная страница