151

У дверей Зувейлы

على باب زويلة

Жанры

وأقامت القاهرة أياما تنتظر في لهفة وشوق، فلما كان يوم الأحد السادس من ربيع الأول، بدأ جيش ابن عثمان حركته وعسكر على شاطئ النيل استعدادا للدفاع، فما أهل اليوم العاشر حتى كانت جموعهم مجتمعة، ثم نشبت المعركة الخامسة بين المصريين والروم!

ولعب المصريون بالسيوف والرماح في رقاب الروم، وانطلقت قذائف البارود من أفواه البنادق الرومية تحصد المئات، وكان جان بردي الغزالي ملثما متنكرا في زي أعرابي، قد اندس بين الأعراب في جيش السلطان طومان باي، حتى حانت له الفرصة فانخذل بطائفة غير قليلة من حزبه، وكشف ظهر المصريين للعدو ... ووقع أصحاب طومان باي بين نارين من وراء ومن أمام، فتبعثروا على ظهر الفلاة يطلبون النجاة ...

وطيف برءوس القتلى من عسكر السلطان طومان باي منصوبة على سوار من خشب في شوارع القاهرة ينادي أمامها المنادون، وألقيت سائر الجثث في النيل، فلم تأت ليلة المولد حتى كان في كل درب من دروب القاهرة مأتم ونواح.

قالت نوركلدي: فهذا ما رأيت يا أرقم من غلظة السلطان سليم، فكيف تراه يصنع بولدي طومان إن ظفر به؟ - لن يظفر به يا نوركلدي! - ولكنه قد انهزم وذهب في الأرض، ويوشك أن يعثر به جند السلطان سليم فيسوقوه إليه في الأغلال! - إنما الحرب سجال، فما انهزم طومان، وما أحسبه يقع في يد السلطان سليم، وما أراه إلا عائدا إلى القاهرة في يوم قريب وقد اجتمع له جيش يسترد به القاهرة ويجلس على عرشه. - أتصدقني القول يا أرقم أم هي أمنية تتمناها؟ - بل هو اليقين يا نوركلدي. - ولكن أتباعه قد تبعثروا أشلاء، وطيف برءوسهم على السواري، فمن أين له جيش يحارب به فينتصر؟! - إن مصر لم تعقم ولم تفقد رجاءها يا نوركلدي، وإن طومان باي لحبيب إلى كل نفس! - ولكن هذه الهزائم المتوالية يا أرقم تفرق القلوب المجتمعة، وتصدع الرأي الملتئم، وتقلقل العزم الراسخ! - أنت إذن لا تعرفين طومان باي يا نوركلدي! - إنني أنا أمه! - نعم، ولكنني أنا ... أنا صديقه!

وعاودته أحزانه فأطرق صامتا وأطرقت نوركلدي صامتة، لقد أوشك أن يقول كلمة أخرى لولا أن ثاب إليه وعيه فأمسك. نعم، إنه أبوه ... ولكنه في مرآة نوركلدي وفي مرايا الناس: أرقم المسيخ!

الفصل السابع والثلاثون

آخر الطريق

أين يذهب طومان باي وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟ لقد بذل آخر ما في طوقه ليدافع عن عرشه وعن وطنه، وعن الأمانة التي حملها على كاهله حين رضي أن يحمل على رأسه ذلك التاج، إنه لمسئول منذ ذلك الحين عن رعيته، وعليه وحده تبعة ما ينالها، لا يخليه من هذه التبعة أنه فرد ليس له من الناس أعوان، فليحارب حتى يموت ويخضب دمه الأرض، وإلا فإن على رأسه دم كل أولئك الشهداء الذين قادهم إلى الموت باسم الدفاع عن الوطن. الموت في المعركة هو العذر الواحد الذي يخليه من تلك التبعة الثقيلة، ولكن من أين له الجند الذين يحارب بهم حتى يموت؟!

وتذكر صديقه حسن بن مرعي السنهوري شيخ أعراب البحيرة، إن لطومان باي عليه يدا منذ أطلقه من سجن السلطان الغوري، فلولاه لبقي في ذلك السجن حتى يدركه أجله، فهذا دين يدينه به ومن حقه أن يسأله باسمه المعونة والنجدة، فلعله يجمع له من فتيان القبائل العربية الضاربة في بوادي الشمال والجنوب جيشا يحارب به. لقد خاض حتى اليوم مع العثمانيين خمس معارك لم ينهزم في واحدة منها من ضعف أو من جبن، فلولا الخديعة والمكر، أو الغدر والخيانة، لكان القائد المظفر في تلك المعارك جميعا، وإنه ليأمل أن يظفر بعدوه في المعركة السادسة، أو في السابعة، بمعونة أولئك الأعراب الشجعان الذين يأمل أن يجمعهم لنصرته صديقه حسن بن مرعي السنهوري! ويومئذ يعود إلى عرشه، ويتخذ من شيوخ أولئك الأعراب أمراء ووزراء وقادة ...

لماذا لم يفطن سلاطين الجركس قبل اليوم إلى حق شيوخ الأعراب في الإمارة والوزارة وقيادة الجند، وإنهم لأولو عزم وقوة، وفيهم مروءة وحفاظ على العهد، وقد كانوا يوما سادة هذه البلاد؟! ليت السلاطين قد فطنوا إلى ذلك منذ بعيد، إذن لاستطاعوا أن يجمعوا قلوبهم على محبتهم والولاء لهم، ولكن إلا يكن السلاطين قد فطنوا إلى هذه الحقيقة، فقد فطن إليها طومان باي آخر الأمر، وما ينبغي له أن يغفل عنها حتى يعود إلى عرشه.

Неизвестная страница