أصابتها الدهشة والانزعاج عندما رأت الجدية التي ارتسمت على وجهه.
قال لها: «الأمر معقد للغاية. الحديث كله مبهم.»
بدأت ثقتها تتزعزع؛ إذ بدأت تستشعر أجواء من العداوة. لم تنزع البارونة عينيها عن وجهها طوال حديثها المقتضب، الذي استمع إليه البروفيسور باحترام بالغ. في نهاية حديثها أشارت للطبيب، وكأنما تطلب منه أن يدعم شهادتها.
حتى تلك اللحظة، كان يتابع المشهد في صمت. جعله وجهه الفاتر وعيناه الجامدتان أشبه برجل خرج من قبره للتو، كي يحضر عرضا مكررا لمسرحية الحياة، يتكرر حتى هلاكها الأبدي.
لكن فور أن بدأ حديثه بأمر من سيدته، بدأ يظهر عليه الانفعال بل وحتى الحماسة؛ إذ كان يستخدم يديه لتوكيد كلامه.
عندما فرغ من حديثه، التفت البروفيسور نحو آيريس، وقال لها: «يبدو أنك وقعت في خطأ جم؛ فلا أحد من ركاب تلك المقصورة يعرف أي شيء عن السيدة التي تزعمين أنها مفقودة.»
نظرت إليه آيريس باستنكار وسألته بحنق: «هل تعني أنها من وحي خيالي؟» «أنا لا أعرف ما الذي يتعين علي اعتقاده.» «إذن، سأخبرك. هؤلاء الأشخاص جميعا يكذبون.»
حتى قبل أن تنهي عبارتها، أدركت آيريس حماقة تلك التهمة؛ فهي تهمة عامة جدا، ولن يصدق أي عاقل أن الركاب سيتحدون معا ليدلوا بشهادة كاذبة، بخاصة الأسرة التي كانت تبدو أهلا للثقة والاحترام؛ فقد كان الأب على الأرجح يمتهن مهنة محاميها الخاص.
كان البروفيسور يوافقها الرأي؛ إذ احتدت نبرته. «هؤلاء الأشخاص الذين تتهمينهم بالكذب هم مواطنون شرفاء، تعرفهم البارونة معرفة شخصية، وتشهد بنزاهتهم. فذلك السيد المحترم ليس مدير مصرف معروف فحسب، بل هو كذلك مدير المصرف الذي تتعامل معه البارونة.» نظر سريعا بحذر إلى الشقراء وتابع قائلا: «وتلك الفتاة الشابة هي ابنة وكيل أعمالها.»
قالت آيريس محتجة: «لا يعنيني ذلك. كل ما أعرفه هو أني مدينة للآنسة فروي بثمن الشاي الذي احتسيته؛ فقد دفعت هي ثمنه.»
Неизвестная страница