وافقتها الآنسة فروي قائلة: «هو كذلك حقا، لكنه سائد في الأجواء، وبعد مدة يعتاده المرء ويصير خانعا. وهذا ليس من شيم الإنجليز. الآن وقد قابلتك، صرت أشعر بأني قوية. يجب أن نظل معا.»
لم تقطع آيريس لها وعدا بذلك؛ فالحادث المفزع لم يغيرها تغييرا جذريا، بل وتر أعصابها فحسب. كانت تتبنى ذلك الانحياز العصري لليافعين، كما أنها لا تنوي أن تظل ملازمة لامرأة عانس في خريف عمرها لما تبقى من رحلتها.
سألتها بشرود: «هل ستعودين مرة أخرى؟» «أجل، لكن ليس إلى القلعة. الأمر غريب بعض الشيء، لكني أردت أن أمضي اثني عشر شهرا آخرين كي أتقن اللهجة؛ لذا قبلت بوظيفة تدريس لأبناء ... حسنا، لنسمه زعيم المعارضة.»
خفضت صوتها حتى صار همسا. «في الحقيقة، هناك جماعة شيوعية صغيرة لكنها تتوسع، معارضة لرب عملي السابق. في الواقع، لقد وجهوا إليه اتهامات بالفساد والكثير من الفظائع الأخرى. أنا لا أشكك في صحة الأمر، فذلك ليس من شأني؛ فأنا لا أعرف سوى أنه رجل مذهل، ذو شخصية جذابة رائعة. حسب صلة الدم ... هل أطلعك على سر؟»
أومأت آيريس برأسها بوهن. كان الحر وأصوات القعقعة المتواصلة قد بدآ يشعرانها بالدوار، ولم يعد إليها الشاي حيويتها؛ فقد انسكب معظمه في طبق فنجانها. كان المحرك يرتج صعودا وهبوطا فوق القضبان المعدنية وكأنما يترنح، نافثا حلقات من الدخان الحار الذي كان يتدفق من جوار نوافذه.
تابعت الآنسة فروي روايتها المتسلسلة، بينما استمعت لها آيريس باستسلام وضجر. «كنت متشوقة جدا لأن أودع، أودع رب عملي، كي أطمئنه أن عملي لدى العدو - إن جاز التعبير - ليس خيانة له. أخبرني خادمه وأمين سره أنه غادر إلى كوخ صيده، لكني شعرت بطريقة ما أنهما يحاولان إثنائي عن مقابلته. على كل حال، ظللت مستلقية على سريري دون أن أنام حتى الصباح الباكر، وقبل شروق الشمس، سمعت صوت مياه تتدفق في الحمام. وقد كان هو الحمام الوحيد في القلعة يا عزيزتي فتصميمها بدائي، مع أن غرفة نومي كانت تشبه جناحا ملكيا كتلك التي نراها على المسرح؛ فأثاثها كله مذهب ومصنوع من القماش المخملي بلون أزرق كريش الطاوس، وبها مرآة كبيرة دائرية مثبتة في السقف. على أي حال، تسللت من غرفتي مثل فأر، فصادفته في الممر. وقفنا رجلا عاديا أمام امرأة عادية. أنا في ثوبي المنزلي، وهو في رداء الاستحمام، وشعره مبتل ومبعثر، لكنه كان يبدو ساحرا، بل إنه حتى صافحني وشكرني على خدماتي.»
توقفت الآنسة فروي كي تدهن آخر قطعة خبز بالزبد، ثم تنهدت تنهيدة ارتياح سعيدة وهي تمسح أصابعها اللزجة.
وقالت: «لا يسعني أن أخبرك كم شعرت بالارتياح لأني سأغادر تحت تلك الظروف الحسنة؛ فأنا أحاول دائما أن أظل على وفاق مع الجميع. بالطبع، أنا لست بالشخص المهم، لكني بوسعي أن أدعي صدقا أني لا أملك أي أعداء على الإطلاق في ذلك العالم.»
الفصل التاسع
أبناء وطن واحد
Неизвестная страница