الرجال جميعهم وسيمون ومهذبون، لكن لا يبدو أن أحدا منهم يدرك أنها فتاة ذات شعر مجعد هوايتها المحببة هي رفض من يطلبون يدها.
قبل انقضاء آخر خمسة أشهر لها، غمرها الحنين للوطن حتى تحول شوقها لمنزل إنجليزي، يطل على باحة كنيسة ريفية وخلفه بستان من أشجار التفاح، إلى شغف. كانت قد سأمت المناظر المسرحية، فودت لو بدلت بجميع تلك الجبال والأنهار ركنا من مرج إنجليزي استقرت به أجمة من أشجار الدردار وبركة بط.
في الليلة التي سبقت عودتها غمرتها الحماسة؛ إذ كانت تتطلع لرحلتها فلم تستطع النوم. لم تصدق الأمر، مع أن أمتعتها قد حزمت وعنونت بالفعل. إحدى الحقائب كانت تحوي ملاءات متسخة، تنوي غليها بعناية. كانت تغسل ملابسها الشخصية في الحمام خلسة؛ فقد رأت العديد من الدلاء تكب في النهر الأخضر البديع الذي كان بمثابة مغسلة عامة.
بينما استلقت وتقلبت سمعت هدير محرك أخمدته المسافة، فكان كأزيز بعوضة متضخم. كان صوت القطار السريع الليلي الذي أيقظ النائمين المشتاقين لوطنهم في الفندق في بقعة أبعد من الوادي تبعته أفكارهم، كأنه زمار معدني ضخم يعزف لحنا ساحرا.
مثلما سينادي آيريس فيما بعد، انتشل العانس الودود من سريرها. هرعت إلى النافذة في الوقت المناسب كي تراه يمرق خلف الخور كسهم ضوئي يخترق غياهب الظلام.
قالت في زهو: «في مساء الغد، أستقل أنا أيضا قطارا سريعا.»
كانت سعادتها غامرة وهي تترقب رحلتها الطويلة خطوة بخطوة وحدا بعد حد حتى تصل إلى محطة القطار الصغيرة التي كانت مجرد محطة توقف بسيطة مبنية وسط الحقول الخاوية. لن تجد أحدا في استقبالها هناك؛ فأبوها يخاف أن يقفز سقراط الأخرق في خضم فرحته الغامرة أمام محرك القطار ويحاول أن يلعقه.
لكنها ستجدهم بانتظارها عند نقطة أبعد من الزقاق. دمعت عيناها عندما فكرت في ذلك اللقاء، لكن حتى حينها ما ستكون قد بلغت نهاية رحلتها بعد، ليس قبل أن تعدو خلال بوابة معتمة بيضاء وحديقة تضيئها النجوم لترى الضوء يتدفق من باب مفتوح.
قالت الآنسة فروي بغصة في حلقها: «أمي.»
ثم لمس قلبها خوف مفاجئ.
Неизвестная страница