ورجعت إلى جناحي دامعة العينين، مجهولة المصير، ولكن مطمئنة القلب. وسرعان ما صدر الأمر للأمير للقيام على رأس البعثة المشهورة لزيارة الإمبراطورية. وقيل وقتها إنه أريد بها ترويض ولي العهد وتعريفه بواقع إمبراطوريته؛ لعله يرجع عن غيه! ولكني شعرت أيضا بأن تيى شرعت تعاقبني بحرماني من زوجي في وقت أوشكت فيه على الوضع. ولما ذهب ألقي بي في خضم تجربة جديدة ما تصورتها قط. ماذا حدث في تلك الأيام؟ انطفأ نور الدنيا، ولم تعد الشمس تسكب إلا ظلاما. وغزتني وحدة مخيفة خانقة، لم يخفف منها ملازمة مربيتي تي ولا غناء الجواري ورقصهن، واحتوتني الكآبة ودثرتني بكفنها.
افتقدت مولاي في كل ركن من أركان جناحي، وفي كل ساعة من يومي. لم أتخيل أنه كان يشغل ذلك الحيز كله من حياتي، واكتشفت أنه سر حياتي وكنز سعادتي، لا كمعلم فحسب، ولكن كزوج وحبيب أيضا. وبكيت ندما على عماي وجهلي، وتلهفت على رجعته لألقي بقلبي تحت قدميه. وحدث في القصر ما سرى عنه بعض همومه؛ فقد جاءني المخاض، كما جاء الملكة تيى، في وقت واحد تقريبا، فأنجبت أنا ميريتاتون وأنجبت الملكة توءمين هما سمنخ رع وتوت عنخ آمون. ولما عرفت بأنني رزقت أنثى ركبني الهم والحزن، وتوكد لي بأن مركزي يزداد ضعفا أمام امرأة القصر القوية. وترامت إلي همسات الحريم بأن لعنة الكهنة قد حلت بي، وأنني لن أنجب ذكرا ما حييت.
وفي تلك الأثناء جاءت تادوخيبا ابنة ملك ميتاني لتلعب دورها في طيبة. وكان الملك أمنحتب الثالث قد سمع بجمالها، فطلب الزواج منها دعما لأواصر الصداقة بينه وبين ميتاني. وكانت تيى تدرك بواعث زوجها الحقيقية، ولكنها كانت دائما تسلط عقل الملكة العظمى على عواطف زوجها، وتهيمن بقوة خارقة على الغيرة مكرسة جل وقتها للحكم. وجاءت تادوخيبا تشق طريق طيبة في موكب فخم تتبعها ثلاثمائة جارية. تسليت بسماع الأنباء وأنا غارقة في وحدتي وأحزاني، وحدثتني تي عن موكب الأميرة الصغيرة وجمالها، وختمت حديثها بقولها: ولكن لا تعلو على شمسنا شمس في الوجود!
وذاع في جنبات القصر أن الملك العجوز الذي أخذ المرض يكدره قد هام بالعروس الجديدة التي في عمر أحفاده، وأنه غرق في بحر العسل، ولكن باله لم يصف طويلا؛ إذ جاءت التقارير عن رحلة ولي العهد لتعصف بأمنه وسعادته. ودعيت للاجتماع بالملك والملكة، فهالني أول ما هالني ما حل بالملك من ضعف نتيجة لإفراطه في الحب واللهو. رغم ذلك بدا غاضبا شرسا، وجعل يهتف: يا له من فتى طائش.
فقالت تيى: يمكن أن نسترد هيبتنا بعرض لجيش الدفاع في أنحاء الإمبراطورية!
فقال لها ساخرا: لقد بدد الأحمق مدخره الموروث من الإجلال، ولن يسترده مهما فعلنا.
فتساءلت بعد تردد: ألا يجوز أن يأسرهم بلطف أخلاقه؟
فهتف بي: ما أنت إلا حمقاء مثله.
وقالت لي المرأة الداهية: كان بوسعك أن تعقليه!
فقلت لها وأنا أداري انفعالي: هيهات أن أقدر على ما تعجزين عنه يا مولاتي!
Неизвестная страница