وإذا بالكاهن يقول لي: خطة غير حكيمة؛ فقد يتمرد قواد الجيش على ماي إذا أمرهم بالزحف دون أمر فرعوني ...
ثم قطب حتى احتنق الدم بوجهه وقال لي: إنك تعمل لحساب مولاك يا نخت لا لحسابنا، فلا شك أنه بلغك نجاحنا في بث دعوتنا في الأقاليم، فقررت أن تحرمنا من جنودنا الموالين لنا ...
تلقيت الطعنة في غضب وغادرتهما موقنا بأن أحدا لا يشغل بإله إلا بمصلحته الذاتية، وأن مصر ضائعة بين أوغاد، وأن تبعة خرابها تقع على الجميع ما بين موالين للملك والمعارضين له لا على إخناتون وحده، بل لعله أنقى المذنبين ضميرا وأصفاهم نية. لقد لعب به الدهاة، ورسموا له خطة ماكرة ليحققوا في رحابه جشعهم، ثم ليرثوا ملكه عقب السقوط الحتمي، ولكنه صدق كذبتهم وآمن بها، وتفجرت من إيمانه قوة لم يعمل أحد حسابها، فاجتاحتهم فترة من الزمن، وغزت القلوب بسحر عجيب، حتى ارتطمت بصخرة الواقع الحادة القاسية، فانجلت عن مأساة وخراب ودموع، ثم لاذ الانتهازيون الجشعون بقارب النجاة في آخر لحظة، تاركين ضحيتهم الأعجوبة يغرق وحده وهو لا يصدق أن إلهه المزعوم قد تخلى عنه حقا. ومزق الجميع أقنعتهم، وعلى رأسهم آي ونفرتيتي، واختلفت مصائرهم، ولكن لم ينل أحدهم جزاءه الحق، باستثناء المارق المسكين، ولدرجة ما نفرتيتي التي لم يقبل الكهنة توبتها الزائفة، أما مصر فقد تحملت أخطاء الجميع، وتعددت في جسدها الجراح ...
وصمت الوزير طويلا ثم تمتم في أسى عميق: هذه هي قصة الخداع والبراءة والحزن الأبدي ...
بنتو
كان طبيب إخناتون الخاص، وما زال يشغل نفس الوظيفة في قصر توت عنخ آمون، في الستين من عمره، نبيل المظهر، وينبض به عرق نوبي. وقد زرته في قصره الأنيق في وسط طيبة، وجدته هادئ الطبع، خافت الصوت، جم النشاط، متأنقا في ملبسه. مضى يتكلم في استسلام لتيار الذكريات قائلا: مهما قيل عن إخناتون الذي يعرف اليوم بالمارق فإن ذكراه تدفئ القلب بالحب، وتتحدى الذاكرة بعجائبها، هل حقا عاش ذلك الرجل بيننا؟ ... هل حقا كرس حياته للحب؟ وهل حقا خلف وراءه هذه العواصف من الحقد والكراهية؟ وكلما تذكرته تذكرت معه القلق الذي أثاره في قلوب القريبين منه والبعيدين منذ صباه المبكر. كانت الملكة العظمة تيى تسألني: ما سر ضعفه يا بنتو؟
شد ما حيرني ذلك السؤال! لم يكن به مرض، ولكنه كان نحيلا هزيلا شاحب اللون، لا يمكن أن يصمد لمرض أو حادث، بخلاف شقيقه تحتمس القوي الجميل، ولم يحب الألعاب الرياضية ولا الطعام الجيد. وكنت أصلي إلى تحوت إله العلم وأقول له: «تعال إلي أرشدني؛ فإني خادم في دارك.» ولم ينفع معه عصير الأعشاب المباركة برقية إيزيس، ولا تمائم تحوت كاتب رسائل الآلهة. وبلغ الخوف غايته عندما مسه المرض في الخماسين، وجر معه أخاه تحتمس فرقدا في حجرة واحدة. وقالت لي الملكة تيى: بهما إمساك، وانظر في صفرة وجهيهما ...
ففحصتهما وقلت: بالقلب حرارة، وفي البطن انتفاخ، لا بد من شراب يفرغ الأمعاء، ثم انقعوا جعة حلوة مع دقيق جاف لمدة ليلة واحدة ليأكلا منه أربعة أيام.
قبل أن تنتهي الأيام مات تحتمس القوي، ونجا الضعيف من كل سوء. ودار الصبي في جميع أنحاء القصر يبحث عن شقيقه وقلبه يتقطع من الحزن. وكلما رآني رماني بنظرة احتجاج ويقول: تركت أخي للموت!
ونظر إلى أبيه وقال معاتبا: عندما أصير فرعون سأقتل الموت!
Неизвестная страница