وعبثا حاولت أن أعثر على شيء مشترك بيننا. دعوته كثيرا إلى الصيد، وهو رياضتي المفضلة، فكان يقول لي: لا تدنس الحب الذي ينبض به قلب الوجود.
لم يكن يعجب بالزي العسكري، فكان يرمق سروالي القصير وقلنسوتي وسيفي ، ويتساءل متهكما: أليس عجيبا أن يدرب أناس مهذبون على القتل ليحترفوه بعد ذلك؟
حتى قلت له مرة: ترى ما رأي جدك العظيم تحتمس الثالث فيما تقول؟
فهتف: جدي العظيم! أقام عظمته على هرم من جثث المساكين. انظر إلى صورته المنقوشة في جدار المعبد وهو يقدم القرابين من الأسرى إلى آمون، فأي جد عظيم، وأي إله دموي ...
وقلت لنفسي إنه يقبل كصديق رغم شذوذ آرائه، ولكن كيف يجلس بها على العرش؟! لم أستطع أبدا أن أهضمه كفرعون من فراعين مصر، ولم أتحول عن رأيي هذا في أي وقت من الأوقات، ولا أستثني من ذلك أهنأ الأوقات وأحفلها بالسرور، بل لعله تبدى لعيني في تلك الأيام السعيدة أوغل في البعد من هيبة الفراعنة ومجدهم الخالد. وحدث أن انتدبت لتأديب بعض العصاة، في طرف من أطراف الإمبراطورية، قائدا لأول مرة لحملة عسكرية. وهناك أحرزت نصرا حاسما، فرجعت بالغنائم والأسرى، ونلت الجزاء تكريما نبيلا من مولاي أمنحتب الثالث. وهنأني الأمير بسلامة العودة، فدعوته لمشاهدة الأسرى. استعرضهم وهم وقوف شبه عرايا يرسفون في الأغلال. رنا إليهم طويلا، فنظروا نحوه مستعطفين كأنما لمسوا الضعف في أعماق نظرته. وأظلت وجهه غمامة كآبة، وقال لهم برقة: اطمئنوا؛ فلن يمسكم أذى!
وهاج خاطري؛ لأنني كنت على يقين من أنهم سيلقون ألوانا من التأديب حتى يتعودوا على النظام والعمل. ولما رجعنا معا سألني باسما: أأنت فخور بما صنعت يا حور محب؟
فقلت بصراحة: إني أستحق ذلك أيها الأمير.
فتمتم في غموض: يا لها من مشكلة!
ثم ضحك قائلا في دعابة: ما أنت إلا قاطع طريق يا حور محب!
ذلك كان ولي العهد المرشح للجلوس على العرش. على ذلك فقد شدني إلى صداقته وحبه، وأغراني دائما بمتابعة أفكاره التي لم أتأثر بها قط، كمن يتابع صوتا غريبا لا ينتمي للبشر. وما زلت حتى الساعة أتساءل في حيرة: كيف صادقته، وكيف أحببته؟! وبهذه المناسبة أذكر مناقشة دينية جرت بيننا أيام خلوته بحديقة القصر الملكي. سألني: لماذا تصلي يا حور محب في معبد آمون؟
Неизвестная страница