وسكت آي قليلا، فحبك وشاحه الأزرق حول صدره وقد بدا وجهه صغيرا مضغوطا تحت شعره المستعار، ثم واصل حديثه: كان فذا منذ صباه كأنما ولد بعقل كاهن ناضج، كان معجزة حتى وجدتني في كثير من الأحايين أناقشه مناقشة الند للند وهو في العاشرة. وكان الحماس يتدفق من منطقه كأنه ينابيع ساخنة، وبرزت في الهيكل الضعيف إرادة قوية لا تتوافق بحال مع ضعفه، فأقنعني ذلك بأن روح الإنسان أقوى من عضلاته المشدودة المدربة آلاف المرات. وهام بالدروس الدينية هياما فاق كل توقع، وأضر بالإعداد اللازم له للجلوس على العرش. ولم يكن يسلم بفكرة دون مناقشة قوية، ولم يخف ارتيابه في كثير من الحقائق والتعاليم الموروثة. وإذا به يقول لي ذات يوم: طيبة! تقولون إنها المدينة المقدسة! إنها وكر التجار الجشعين والفسق والعهر. ومن هم هؤلاء الكهنة الكبار يا معلمي؟ ألا إنهم من يضلون البسطاء بالخرافات، ويشاركون الفقراء في أرزاقهم المحدودة، ويغوون الفتيات باسم البركة، فجعلوا من معبدهم مرتادا للدعارة والعربدة، عليك اللعنة يا طيبة!
وأقلقني قوله، وتخايلت لعيني أصابع الاتهام وهي تشير إلي بوصفي معلمه، فقلت له: إنهم الأساس المتين الذي يقوم عليه العرش.
فهتف غاضبا: لا كرامة لعرش يقوم على الكذب والفجور.
فقلت كالمحذر: إنهم قوة لا يستهان بها مثل الجيش ...
فهتف ساخرا: وقطاع الطرق أيضا قوة لا يستهان بها.
من بادئ الأمر لم ينشرح صدره لآمون الثاوي في قدس الأقداس، فتطلع إلى آتون الذي يضيء نوره العالمين، وقال في ذلك: آمون إله الكهنة، آتون إله السماء والأرض.
فقلت بحرارة: إنك مطالب بالإخلاص لجميع الآلهة.
فتساءل مقطبا: أليس لنا قلوب نميز بها بين الحق والباطل؟
فقلت بإغراء: سوف تتوج ذات يوم بين أحضان آمون.
فبسط ذراعيه النحيلتين متسائلا: ولم لا أتوج تحت نور الشمس في الهواء الطلق؟! - آمون هو الذي ساند جدك حتى قيض له النصر.
Неизвестная страница