الفصل الرابع
شهيد سرسنا
ثم صرخ الكبتن بوستك بأعلى صوته: الهرب، الهرب، يا بول! أين الأومباشي؟ أين عبد العال؟ - لا أدري أين هذا العسكري الجبان! اذهب يا بوستك جهة الشمال إلى أقرب نقطة وأخبر الخفر بهذه الواقعة.
فدار بوستك حول نفسه دورتين وقال: إلى أين أذهب؟ - إلى الشمال! إلى الشمال! - وأنت؟ - إلى اليمين!
فجرى الكبتن بوستك جهة الشمال بهيئة مضحكة؛ لأن ملابسه كانت كلها ممزقة، وعلاوة على ذلك فإن حمالة البنطالون كانت قطعت فنزل (البنطالون) إلى ركبتيه - مما أعاقه عن العدو قليلا - فوقف وشده إلى بطنه والتفت فلم ير الكبتن بول، فقوى نشاطه وجرى مسرعا، ولكن نزول بنطالونه ثانية إلى ركبتيه أعاقه؛ فخلع البنطالون بسرعة ووقف حائرا لا يدري أين يذهب، ولكن خطر في فكره الذهاب إلى المعسكر، فرجع ثانية يعدو جهة اليمين بهيئة مضحكة، فإنه كان مرتديا ملابسه العسكرية الجميلة، ونياشينه اللامعة، ولكن بدون بنطالون! وكان جسمه ظاهرا؛ لأن من عادة الإنجليز عدم لبس السروال! وفي منتصف الطريق رأى الكبتن بول مطروحا على الأرض فجس نبضه، ثم وضع يده على قلبه فرآه في حالة خطرة، فنسي الرجل خطورة موقفه، فركع على ركبتيه، وضم يديه على صدره، وصلى صلاة صغيرة، وطلب من السماء أن تنجي صديقه من الموت، ففتح بول عينيه، فقال بوستك: تجلد يا صديقي!
فتمتم بول: إلى أين ذاهب؟ - إلى الأمام، إلى المعسكر.
ثم تركه وجرى حتى وقف على شاطئ الباجورية وتأمل في النهر قليلا، ولكنه تشجع وقذف بنفسه في الماء، وسبح حتى وصل الشاطئ الثاني، وتابع العدو وهو بهيئته المضحكة، وفوق ذلك كان الماء يقطر من الجاكتة!
أما الكبتن بول فنظر جهة اليمين والشمال بصعوبة زائدة وهو مطروح على الأرض، ولما لم ير إنسانا قال: آه ... أين أنا؟ إني ظمآن أريد قليلا من الماء، أريد قليلا من الوسكي! لا أريد أن أموت ظمآنا! أنا إنجليزي لا أموت ظمآنا.
ثم أبصر عن بعد فلاحا يقصده فخفق فؤاده، وضم يديه على صدره يصلي على نفسه صلاة الموت!
أما هذا الفلاح التعيس - وكان اسمه سيد أحمد سعيد - فاقترب من الكبتن، ولما رأى حالته المحزنة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، أنت من السابقين ونحن من اللاحقين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله!
Неизвестная страница