Укус собаки: сборник рассказов
عضة كلب: مجموعة قصصية
Жанры
وقصاقيص سعيد هي عصا التأديب التي يقرع بها أصحاب الملايين من الموجهين الذين يسيطرون على مراكز الدروس الخصوصية. والقصاقيص جمع قصاصة من الورق، ورقة صغيرة يلتقطها سعيد عشوائيا من المكان الذي يوجد فيه ولو كانت ملقاة في كوم قمامة، ويخرج قلمه ويخط عليها معادلة أو مسألة رياضية يطلب من أحد التلاميذ توصيلها لغريم تجرأ على التقليل من شأنه في الرياضيات، وغالبا ما يفشل الجميع في حلها، وقصاقيص سعيد لا يرد عليها أبدا بمثلها، هكذا علمتهم التجارب معه.
تقدم سعيد لمسابقة للترقية إلى وظيفة موجه، ربما لكي يشاكس رؤساءه فحسب، وجاءت النتيجة طبعا في غير صالحه، فتوجه إلى مكتب التوجيه الفني والذي بيده قرار اختيار الأنسب للوظيفة، وأثناء اجتماع المكتب جذب سعيد أحد المقاعد وجلس في مواجهة الجمع بابتسامته المعتادة وخاطبهم: سؤال سهل وليس قصقوصة: لماذا تم استبعادي؟ دمي ثقيل أم مسألة كفاءة علمية!
أجاب كبيرهم: لا هذا ولا ذاك، أسلوب التعامل مع الزملاء والرؤساء.
مط سعيد شفتيه ثم أطلق ضحكته المميزة، وجالت عيناه في المكان، وراقته سلة القمامة، فرفعها ثم أفرغها فوق رأس الموجه العام. وهادئا وسط دهشة المجتمعين لوح بيده قائلا بالإنجليزية: «سي يو ليتر.» (أي إلى اللقاء)، وترك المكان، وأصداء ضحكاته تنسحب بطيئة في إثره.
لم يمض الكثير حتى توطدت علاقته بنا بل وأصبحنا نفتقده جدا إذا غاب، فقد أضفى علينا ربما ما كنا نسعى بالفعل إليه وننكره على أنفسنا: روح العبث. لم نعلن لحظة الصدق هذه لأحد ولا لأنفسنا؛ فقد كنا في شك دائما من جدوى ما نفعله لأنفسنا ولمن حولنا، إننا نحوم في الفراغ كفراشات شيطانية ونظن أننا نحرث الأرض للحرية، وكان سعيد هو الذي قذف في وجهنا بالحقيقة التي أعمينا بصيرتنا عنها.
فر الناس من حرارة علب الطوب التي يسكنون فيها إلى الشوارع والميادين يستجدون نسمة هواء باردة، وامتدت جولاتهم وجلساتهم في الطرقات وعلى الأرصفة إلى أذان الفجر. لقد استعمروا مملكتنا واغتصبوا الخلاء الذي نحلق فيه، لكننا نملك رفاهية البدائل المتاحة، فاتفقنا على الفور على شراء فراغ جديد أرحب نعبث فيه كما اعتدنا. قررنا أن تكون لقاءاتنا ليلا في المصايف المجاورة حيث البحر والهواء المنعش والمطاعم «والكافيهات» ولامبالاة المصطافين بالغير، إضافة إلى متعة السفر ليلا على طرقات غير مزدحمة وبصحبة صديق مقرب. واعتزمنا أو كنا مجبرين على أن نخفي الأمر عن أسرنا، ومكنتنا سياراتنا الخاصة من السفر والعودة إلى المنزل في المواعيد المعتادة دون أن يلحظ أحد. واتفقنا أن أصطحب سعيد معي في سيارتي، وانطلقت أول قافلة لنا.
على غير عادته مكث سعيد صامتا أغلب الطريق، حاولت أن أحفزه على الحديث فكان يجاملني وسريعا ما يعود إلى صمته. بعد أن التأم شملنا قضينا بعض الوقت على الشاطئ وقد انفرجت أسارير سعيد بعض الشيء، لكن ضحكته الرنانة لم تنطلق بعد، وأمسك لسانه اللاذع عن أي تعليق واكتفى بمراقبتنا وكأنه يرانا للمرة الأولى. دعانا واحد منا إلى عشاء فاخر بأحد المطاعم على نفقته، ثم جلسنا لبعض الوقت في أحد الكافيهات، وأصر سعيد أن يتحمل فاتورة الكافيه. أنعش هذا التغيير روحنا فعدنا إلى منازلنا أسعد حالا بعد أن تواعدنا على اللقاء التالي.
تخلف سعيد عن صحبتنا لفترة طويلة حتى استبد بنا القلق عليه، لم يكن أحد منا يعرف عنوان سكنه، فاعتزمت المرور على عم جمعة، وهو تصرف أكثر لياقة من الذهاب إلى مقر عمله في المدرسة.
استقبلني عم جمعة عاتبا: سعيد رجل طيب، ماذا حدث بينكم؟
أخبرته أنه تغيب عن لقاءاتنا دون سبب، وأنني أتيت لمقابلته عساه يعرف عنوان مسكنه، تردد الرجل قليلا ثم قال: هو يسكن معي.
Неизвестная страница