فليس مقياسك مقياسهم
ولا هم مثلك في المأرب
انظر إلى ما خلفوا بعدهم
من المعالي ثم لم واعتب
من ركب الهائل من أمره
فعذره في ذلك المركب
ونحسب هذا المذهب في زماننا هذا أوجب مما كان في الأزمان الغابرة؛ لأن الأسباب التي تغص من وقار العظمة لم تزل تتكاثر منذ القرن الثامن عشر إلى الآن، وهي مما يحدث عفوا في بعض الأحيان، ومما يأتي قصدا في أحيان أخرى، وقد تفيد الإشارة إليها في اتقائها إذا كان إلى اتقائها سبيل.
بدأت هذه الأسباب بفهم سيئ للمنازعات التي شجرت بين رجال العلم ورجال الدين منذ النهضة العلمية الحديثة. فوقر في بعض الأذهان أن العلم الحديث قد ألغى ما قبله من جهود المصلحين وطلاب المعرفة الإلهية والدنيوية وخلط أناس بين دعاة الأديان الذين أخلصوا العقيدة في الإصلاح، وبين رجال الأديان الذين استغلوا العقائد، وتعمدوا إنكار الحقائق، ووقفوا بعنادهم ولجاجتهم عقبة في طريق التقدم والتهذيب.
فالمصلحون من عظماء الأديان أهل لكل تعظيم واعتراف بالجميل، لا يعيبهم أنهم سبقوا عصر العلم الحديث، بل يزكيهم ذلك، ويضاعف حقهم في الثناء وعرفان الجميل، ويدل على أن الحاجة إليهم كانت أمس وألزم، وأنهم كانوا في خدمتهم الإنسانية أقدر وأعظم، مع ما هو مفهوم من الفارق بين حاجة الناس إلى الدين وحاجتهم إلى العلوم. فهذه حاجة ذهنية وتلك حاجة حيوية أو روحية لا تغني فيها علوم العلماء.
ثم جاءت الديمقراطية وأساء بعض الناس فهمها، كما أساءوا فهم النزاع بين العلم والدين، فظنوا أن حرية الصغير تجعله في صف الكبير، وأن المساواة القانونية تلغي الفوارق الطبيعية، وأن الثورة على الرؤساء المستبدين معناها الثورة على كل ذي مكانة من العظماء، وهو وهم ظاهر البطلان ولكنه قد سرى مسراه إلى الأذهان، فكثر التطاول على كل عظمة إنسانية، وفشت بدعة الاستخفاف والزراية حتى أوشك التوقير لمن يستحق التوقير أن يعاب.
Неизвестная страница