فهو في هذا الكتمان قد جرى على خير سنة يجري عليها أمناء الأسرار! أشفق أن يذيع سر الرسول عليه السلام فيبدو له في العدول، فتكون في ذلك ملامة، فآثر هو أن يلام على أن يعرض صاحبه لملام.
ومع هذا الكتمان وهذا الكلام النزر كانت له خبرة بكياسة القول هي القدوة العليا لمن جبلوا على مخاطبة العظماء.
فسأل رجلا يحمل ثوبا: أتبيعه؟
فأجابه: لا عافك الله ...
قال: هلا قلت: وعافك الله!
تلك نفس ملكتها شمائل الوقار والتوقير، وامتزجت بها سليقة الإعجاب والتعظيم، حتى فاضت على جوارحها، وسرت مرتجلة إلى جميع حالاتها، فهي هنالك تستشفها في بواطن الضمير وتلمسها فيما ظهر من الأعمال والمعاملات، وتتلقاها من خلجات الذهن وبوادر اللسان، وهي هنالك مفتاح الشخصية كلها تنفذ بنا إلى خفاياها، وتفتح لنا ما استغلق من أسرارها، وتميز لنا بين خصائصها وخصائص الأنفس التي تناظرها في المقام، وتخالفها في المزاج والتركيب.
لقد كان عمر بن الخطاب معجبا بمحمد غاية إعجابه محبا له غاية محبته ولكن «الإعجاب بالبطولة» كان صفة من صفاته ولم يكن صفته الأولى التي تغلب على جميع الصفات، وخليقته الشاملة التي تنطوي فيها جميع الخلائق. فإذا قضى حق الإعجاب بقيت له بقية للمناقشة والمراجعة، واستطاع أن يجمع بين التوقير والاستفسار والتفسير، فكانت له طريق إلى الإيمان تصاحب طريق الإعجاب وتنتهي معها إلى مثل نهايتها آخر المطاف.
أما أبو بكر فقد كان الإعجاب أقرب طرقه إلى الإيمان، وأكبرها على السواء. وهما بعد هذا وذاك ملتقيان.
فإذا كان عمر ثاني المتصرفين بعد نبيه وأستاذه وهاديه، فأبو بكر أول المقتدين بغير سابق، وبغير نظير.
وهما بعد قرينان يتقابلان في كل حركة من حركات التاريخ، وكل ظاهرة من ظواهر الأمم، ولا سيما في إبان الدعوات.
Неизвестная страница