ورجل من عنصر كريم وأرومة طيبة.
ورجل له قدم في السيادة واعتصام بالوقار والمروءة.
فكل ما روي عنه فهو موافق لهذه الخصال، منتظم في هذه الخصائص، معقول في هذا التركيب في الخلق والخليقة، وهو من ثم دليل على صحة الوصف وصحة السيرة على الإجمال.
ولن يكون هذا الرجل على هذا التكوين إلا كما وصفوه ونقلوا عنه: حديد الطبع، مستمسك الخلق، سريع التأثر، قوي العاطفة، محبا للاعتقاد، حمسا في اعتقاده، صادقا في وعده، كما نستطيع أن نعرف ممن طبعوا على هذا المزاج ونراهم بيننا رأي العين، أو نعرفهم على السماع معرفة اليقين.
ونحن فيما نتوخاه من المضاهاة بين أوصاف السابقين وأوصافنا نحن المعاصرين إنما نريد أن نفضي إلى المقياس الصحيح للتصديق أو التكذيب، والمحك الصالح للتشكيك أو التغليب. فإذا كانت الأوصاف التي نقرؤها مطابقة للأوصاف التي نعقلها والتي نعهدها فذلك هو برهان الصحة في كل مقياس.
وإنه لمن واجبنا في عصرنا هذا أن نقضي على آفة العصر التي أوشكت أن تغلب فيه على كل آفة، وهي الظن الشائع بين المتفيهقين والمتهجمين أن البراعة كل البراعة في التكذيب، وأن الجهالة كل الجهالة في التصديق، وليست الجهالة كلها في الحقيقة هنا، ولا البراعة كلها في الحقيقة هناك.
فكثيرا ما تكون الغفلة في التكذيب أعظم من الغفلة في التصديق، وكثيرا ما يكون بخس الشيء الثمين أدل على الغباء وأضيع للمنفعة من إغلاء الشيء البخس، في تسويم التجارة أو تسويم الضمائر والعقول.
خذ مثلا لذلك حسنات أبي بكر اليومية التي سأله عنها النبي عليه السلام فاتفق في يوم سؤاله عنها أنه كان قد أهداها جميعا على وجه من الوجوه.
تلمح على وجه المتفيهق المتشكك مسحة التردد وهو يتابع ذلك الخبر كأنه مما لا يجوز ولا يتكرر على هذا المنوال.
فإذا سألته: لم التردد وفي وسعك أن تبلغ بالخبر إلى مقطع اليقين؟ لم تقف هنا ولا تتابع الطريق إلى منتهاه؟ إنك لتعلم إذن أن التردد سخف حين يكون اليقين منك على مد اليدين تتناوله إن شئت متى مددتهما إليه.
Неизвестная страница