واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا (النساء: 34).
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه (البقرة: 231).
والنبي عليه السلام لم يطلق زوجة من زوجاته دخل بها وعاشرها، ولم يضرب قط واحدة منهن، ولم يرو عنه قط أنه ضرب أو نهر خادما فضلا عن زوجة، بل روي عنه ما ينفي ذلك ممن عاشروه ولازموه.
بل كان عليه السلام يكره ضرب النساء ويعيبه كما قال: «أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد؟ ... يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره!»
فما نص القرآن عليه من عقوبة الضرب فإنما نص عليه لعلاج النشوز الذي لا يستقيم بغيره، وقيده المفسرون بشروط تمنع الإيذاء، وتحصره في القدر الذي يستقيم عليه الجزاء.
فغاية ما يفهم من ذكر الضرب بين العقوبات أن بعض النساء يتأدبن به ولا يتأدبن بغيره، وقد يعلم الكثيرون أن هؤلاء النساء لا يكرهنه ولا يسترذلنه، وليس من الضروري أن يكن من أولئك العصبيات المريضات اللائي يشتهين الضرب كما يشتهي بعض المرضى ألوان العذاب.
إنما العقوبة التي آثرها النبي عليه السلام هي الهجر الطويل أو القصير، بعد العظة والعتاب الجميل.
والهجر - ولا سيما الهجر في المضاجع - عقوبة نفسية بالغة وليست كما يسبق إلى بعضهم عقوبة حسية تؤلم المرأة لما يفوتها من سرور ومتعة؛ فإن فوات السرور والمتعة أياما، لا يؤلم المرأة هذا الإيلام الذي يجعل الهجر في المضاجع من أصعب العقوبات دون الطلاق.
قال الأستاذ رشيد رضا - رحمه الله - في كتابه نداء للجنس اللطيف: «أما الهجر فهو ضرب من ضروب التأديب لمن تحب زوجها ويشق عليها هجره إياها، ولا يتحقق هذا بهجر المضجع نفسه وهو الفراش، ولا بهجر الحجرة التي يكون فيها الاضطجاع، وإنما يتحقق بالهجر في الفراش نفسه. وتعمد هجر الفراش أو الحجرة زيادة في العقوبة لم يأذن بها الله تعالى وربما يكون سببا لزيادة الجفوة، وفي الهجر في المضجع نفسه معنى لا يتحقق بهجر المضجع أو البيت الذي هو فيه، لأن الاجتماع في المضجع هو الذي يهيج شعور الزوجة فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر ويزول اضطرابها الذي أثارته الحوادث قبل ذلك. فإذا هجر الرجل المرأة وأعرض عنها في هذه الحالة رجي أن يدعوها ذلك الشعور والسكون النفسي إلى سؤاله عن السبب ويهبط بها من نشز المخالفة إلى صفصف الموافقة وكأني بالقارئ وقد جزم بأن هذا هو المراد، وإن كان مثلي لم يره لأحد من الأموات ولا الأحياء.»
والذي نراه أن الأستاذ رحمه الله قد أخطأه المراد الدقيق من هذه العقوبة النفسية، وأن الحكمة في إيثارها أعمق جدا من ظاهر الأمر كما رآه الأستاذ ... فأبلغ العقوبات ولا ريب هي العقوبة التي تمس الإنسان في غروره وتشككه في صميم كيانه؛ في المزية التي يعتز بها ويحسبها مناط وجوده وتكوينه ...
Неизвестная страница